نزلت بعد بدر وأحد فيقع نزولها على هذا في السنة الرابعة من الهجرة تقريباً ، فما وجه الجمع بين الآيتين على تقدير تسليم نزولهما في أبي بكر؟ والأولى منهما كما مرّ نصّ على أنّ أبا قحافة ممّن أنعم الله عليه يوم كان لأبي بكر أربعون سنة ، ولمّا بلغ أشدّه وبلغ أربعين سنة قال : (رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَ) ، وهذه الآية كما ترى نصّ في أنّ أبا قحافة يوم نزولها ـ وكان يوم ذاك لأبي بكر ثلاث وخمسون سنة تقريباً ـ كان ممّن حادّ الله ورسوله.
والذي يهوّن الخطب أنّ متن هذه الرواية ـ كالرواية السابقة الواردة في الآية الأولى ـ يكذّب نفسها. إذ الآية كما سمعت نزلت بالمدينة ، وظاهر الرواية وقوع القصّة بها ، ويوم ذاك كان أبو قحافة بمكّة ، فأين وأنّى اجتمع أبو بكر مع أبيه وصكّه؟
ثمّ هل يشترط وجوب قتل من سبّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بقرب السيف ممّن سمعه؟ أو شُرّع هذا الحكم بعد القضيّة؟ أو خُصّ أبو قحافة منه بالدليل؟ سل من أعماه الغلوّ في الفضائل وأصمّه : (إِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَراً مِنَ الْقَوْلِ وَزُوراً) (١) ، (وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَما هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) (٢).
الغاية للقالة
أحسب أنّ القوم لم ينسجوا هذا الإفك على نول الجهل بتراجم الرجال فحسب ، ولا أنّ لهم مأرباً في آباء المهاجرين أسلموا أو لم يسلموا ، أو أنّ لهم غاية في إسلام أبوي أبي بكر ، لكنّهم زمّروا لِما لم يزل لهم فيه مكاء وتصدية من تكفير سيّد الأباطح شيخ الأئمّة أبي طالب والد مولانا أمير المؤمنين سلام الله عليهما ، وذلك بعد أن عجزوا عن الوقيعة في الولد فوجّهوها إلى الوالد أو إلى الوالدين كما فعله الحافظ
__________________
(١) المجادلة : ٢.
(٢) آل عمران : ٧٨.