على موقفه ، فلا يستسهل الوالد أن يعرض ابنه على القتل كلّ ليلة فينيمه على فراش المفدّى ، ويستعوض منه ابن أخيه ، إلاّ أن يكون مندفعاً إلى ذلك بدافع دينيّ وهو معنى اعتناق أبي طالب للدين الحنيف ، وهو الذي تعطيه المحاورة الشعريّة بين الوالد والولد فترى الولد يصارح بالنبوّة ، فلا ينكر عليه الوالد بأنّ هذا التهالك ليس إلاّ بدافعٍ قوميٍّ ، غير فاتر عن حضِّ ابنه على ما يبتغيه من النصرة ولا متثبّط عن النهوض بها. فسلام الله على والد وما ولد.
١٠ ـ أبو طالب وابن الزبعرى :
قال القرطبي في تفسيره (١) (ص ٤٠٦) : روى أهل السير قال : كان النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم قد خرج إلى الكعبة يوماً وأراد أن يصلّي ، فلمّا دخل في الصلاة قال أبو جهل لعنه الله : من يقوم إلى هذا الرجل فيفسد عليه صلاته؟ فقام ابن الزبعرى فأخذ فرثاً ودماً فلطخ به وجه النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم فانفتل النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم من صلاته ، ثمّ أتى أبا طالب عمّه فقال : «يا عمّ ألا ترى إلى ما فُعِلَ بي؟» فقال أبو طالب : من فعل هذا بك؟ فقال النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم : «عبد الله بن الزبعرى». فقام أبو طالب ووضع سيفه على عاتقه ومشى معه حتى أتى القوم ، فلمّا رأوا أبا طالب قد أقبل جعل القوم ينهضون ؛ فقال أبو طالب : والله لئن قام رجل لجللته بسيفي فقعدوا حتى دنا إليهم ، فقال : يا بُنيّ من الفاعل بك هذا؟ فقال : «عبد الله بن الزبعرى» ؛ فأخذ أبو طالب فرثاً ودماً فلطّخ به وجوههم ولحاهم وثيابهم ، وأساء لهم القول.
حديث موقف أبي طالب هذا يوجد في غير واحد من كتب القوم وقد لعبت به أيدي الهوى ، وسنوقفك إن شاء الله على حقّ القول فيه تحت عنوان : أبو طالب في الذكر الحكيم (٢).
__________________
(١) الجامع لأحكام القرآن : ٦ / ٢٦١.
(٢) الغدير : ٨ / ١١ ـ ٣٦.