١١ ـ سيّدنا أبو طالب وقريش :
قال ابن إسحاق : لمّا بادى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قومه بالإسلام ، وصدع به كما أمره الله لم يبعد منه قومه ولم يردّوا عليه ، فيما بلغني ، حتى ذكر آلهتهم وعابها. فلمّا فعل ذلك أعظموه وناكروه ، وأجمعوا خلافه وعداوته ، إلاّ من عصم الله تعالى منهم بالإسلام وهم قليل مستخفون ، وحَدِب (١) على رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم عمّه أبو طالب ومنعه وقام دونه ، ومضى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم على أمر الله مظهراً لأمره ، لا يردّه عنه شيء.
وقال : إنّ قريشاً حين قالوا لأبي طالب هذه المقالة بعث إلى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فقال له : يا ابن أخي إنّ قومك جاءوني فقالوا لي كذا وكذا ، فأبق عليّ وعلى نفسك ، ولا تحمّلني من الأمر ما لا أُطيق ، قال : فظنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أنّه قد بدا لعمّه فيه بداء ، وأنّه خاذله ومسلمه ، وأنّه قد ضعف عن نصرته والقيام معه ، قال : فقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «يا عمّ والله لو وضعوا الشمس في يميني ، والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك فيه ما تركته». قال : ثمّ استعبر رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فبكى ثمّ قام ، فلمّا ولّى ناداه أبو طالب ، فقال : أقبل يا ابن أخي. قال : فأقبل عليه رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فقال : اذهب يا بن أخي فقل ما أحببت فو الله لا أسلمك لشيء أبداً.
ثمّ إنّ قريشاً حين عرفوا أنّ أبا طالب قد أبى خذلان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وإسلامه وإجماعه لفراقهم في ذلك وعداوتهم مشوا إليه بعمارة بن الوليد بن المغيرة ، فقالوا له : يا أبا طالب هذا عمارة بن الوليد أنهد فتىً في قريش وأجمله ، فخذه فلك عقله ونصره ، واتّخذه ولداً فهو لك ، وأسلم إلينا ابن أخيك ، هذا الذي قد خالفك دينك ودين آبائك
__________________
(١) حدب : عطف عليه ومنع له. (المؤلف)