الشاعر
الحافظ الشيخ رضي الدين رجب بن محمد بن رجب البرسي الحلّي ، من عرفاء علماء الإماميّة وفقهائها المشاركين في العلوم ، على فضله الواضح في فنِّ الحديث ، وتقدّمه في الأدب وقرض الشعر وإجادته ، وتضلّعه من علم الحروف وأسرارها واستخراج فوائدها ، وبذلك كلّه تجد كتبه طافحة بالتحقيق ودقّة النظر ، وله في العرفان والحروف مسالك خاصّة ، كما أنَّ له في ولاء أئمّة الدين عليهم السلام آراء ونظريّات لا يرتضيها لفيف من الناس ، ولذلك رموه بالغلوِّ والارتفاع ، غير أنّ الحقّ أنّ جميع ما يثبته المترجم لهم عليهمالسلام من الشؤون هي دون مرتبة الغلوِّ وغير درجة النبوّة ، وقد جاء عن مولانا أمير المؤمنين عليهالسلام قوله : «إيّاكم والغلوّ فينا ، قولوا : إنّا عبيد مربوبون ، وقولوا في فضلنا ما شئتم» (١) ، وقال الإمام الصادق عليهالسلام : «اجعل لنا ربّا نئوب إليه وقولوا فينا ما شئتم». وقال عليهالسلام : «اجعلونا مخلوقين وقولوا فينا ما شئتم فلن تبلغوا» (٢).
وأنّى لنا البلاغ مدية ما منحهم المولى سبحانه من فضائل ومآثر؟ وأنّى لنا الوقوف على غاية ما شرّفهم الله به من ملكات فاضلة ، ونفسيّات نفيسة ؛ وروحيّات قدسيّة ، وخلائق كريمة ، ومكارم ومحامد ؛ فمن ذا الذي يبلغ معرفة الإمام؟ أو يمكنه اختياره؟ هيهات هيهات ضلّت العقول ، وتاهت الحلوم ، وحارت الألباب ، وخسئت العيون ، وتصاغرت العظماء ، وتحيّرت الحكماء ، وتقاصرت الحلماء ، وحصرت الخطباء ، وجهلت الألبّاء ، وكلّت الشعراء ، وعجزت الأدباء ، وعييت البلغاء عن وصف شأن من شأنه ، وفضيلة من فضائله ، وأقرّت بالعجز والتقصير ؛ وكيف يوصف
__________________
(١) الخصال لشيخنا الصدوق [ ص ٦١٤ ]. (المؤلف)
(٢) بصائر الدرجات للصفّار [ ص ٢٣٦ ، ٥٠٧ ]. (المؤلف)