ذلك منه تشبّثاً كتشبّث الغريق ، ومن أمعن النظر فيها لا يشكّ أنّها ممّا لا يفوه به ذو ٨ / ١٠٣ مرّة في الفقاهة فضلاً عن إمام المسلمين ، ولو كان مجرّد أنّ زوجته مكّية من قواطع السفر فأيّ مهاجر من الصحابة ليس كمثله؟ فكان إذن من واجبهم الإتمام ، لكنّ الشريعة فرضت التقصير على المسافر مطلقاً ، والزوجة في قبضة الرجل تتبعه في ظعنه وإقامته ، فلا تخرج زوجها عن حكم المسافر لمحض أنّه بمقربة من بيئتها الأصليّة التي هاجر عنها وهاجرت.
قال ابن حجر في فتح الباري (١) (٢ / ٤٥٦) : أخرج أحمد والبيهقي من حديث عثمان وأنّه لمّا صلّى بمنى أربع ركعات أنكر الناس عليه فقال : إنّي تأهّلت بمكة لمّا قدمت وإنّي سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يقول : من تأهّل ببلدة فإنّه يصلّي صلاة مقيم. قال : هذا الحديث لا يصحّ منقطع ، وفي رواته من لا يُحتجّ به ، ويردّه أنّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم كان يسافر بزوجاته وقصّر.
وقال ابن القيّم (٢) في عدّ أعذار الخليفة : إنّه كان قد تأهّل بمنى ، والمسافر إذا أقام في موضع وتزوّج فيه ، أو كان له به زوجة أتمّ. ويُروى في ذلك حديث مرفوع عن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فروى عكرمة بن إبراهيم الأزدي عن أبي ذئاب عن أبيه قال : صلّى عثمان بأهل منى أربعاً وقال : يا أيّها الناس لمّا قدمت تأهّلت بها ، وإنّي سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يقول : إذا تأهّل الرجل ببلدة فإنّه يصلّي بها صلاة مقيم. رواه الإمام أحمد رحمهالله في مسنده (٣) (١ / ٦٢) ، وعبد الله بن الزبير الحميدي في مسنده (٤) أيضاً ، وقد أعلّه البيهقي بانقطاعه ، وتضعيفه عكرمة بن إبراهيم ، قال أبو البركات بن تيميّة :
__________________
(١) فتح الباري : ٢ / ٢٧٠.
(٢) زاد المعاد : ١ / ١٢٩ ـ ١٣٠.
(٣) مسند أحمد : ١ / ١٠٠ ح ٤٤٥.
(٤) مسند الحميدي : ١ / ٢١ ح ٣٦.