الكتاب والسنّة عند البحث عنها ، والعجب كلّ العجب عدّ ابن القيّم هذا العذر المفتعل أحسن ما اعتذر به عن عثمان ، وهو مكتنف بكلّ ما ذكرناه من النقود والعلل ، هذا شأن أحسن ما اعتذر به ، فما ظنّك بغيره؟!
وأمّا وجود مال له بالطائف فالرجل مكّي قد هاجر عنها لا طائفيّ ، وبينه وبين الطائف عدّة مراحل ، هب أنّ له مالاً بمكة أو بنفس منى وعرفة اللتين أتمّ فيهما الصلاة ، فإنّ مجرّد المال في مكان ليس يقطع السفر ما لم يجمع الرجل مكثاً ، وقد قصّر أصحاب النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم معه عام الفتح ، وفي حجة أبي بكر ولعدد منهم بمكة دار أو أكثر وقرابات. كما رواه الشافعي ، قال في كتاب الأم (١) (١ / ١٦٥) : قد قصّر أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم معه عام الفتح ، وفي حجّته ، وفي حجّة أبي بكر ، ولعدد منهم بمكّة دار أو أكثر وقرابات منهم : أبو بكر له بمكّة دار وقرابة ، وعمر له بمكة دور كثيرة ، وعثمان له بمكة دار وقرابة ؛ فلم أعلم منهم أحداً أمره رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بالإتمام ، ولا أتمّ ولا أتمّوا بعد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم في قدومهم مكة ، بل حفظ عمّن حفظ عنه منهم القصر بها. وذكره البيهقي في السنن (٣ / ١٥٣).
وأمّا الخيفة ممّن حجّ من أهل اليمن وجفاة الناس الذين لم يتمرّنوا بالأحكام أن يقولوا : إنّ الصلاة للمقيم ركعتان هذا إمام المسلمين يصلّيها كذلك. فقد كانت أولى بالرعاية على العهد النبويّ والناس حديثو عهد بالإسلام ، ولم تطرق جملة من الأحكام أسماعهم ، وكذلك على العهدين قبله ، لكنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم لم يرعها بعد بيان حكمي الحاضر والمسافر ، وكذلك من اقتصّ أثره من بعده ، ولقد صلّى صلىاللهعليهوآلهوسلم بمكة ركعتين أيّام إقامته بها ثمّ قال : أتمّوا الصلاة يا أهل مكة فإنّا سفر. أو قال : يا أهل البلد صلّوا أربعاً فإنّا سفر (٢). فأزال صلىاللهعليهوآلهوسلم ما حاذره الخليفة في تعليله المنحوت بعد
__________________
(١) كتاب الأُم : ١ / ١٨٧.
(٢) سنن البيهقي : ٣ / ١٣٦ ، ١٥٧ ، سنن أبي داود : ١ / ١٩١ [٢ / ٩ ح ١٢٢٩] ، أحكام القرآن للجصّاص : ٢ / ٣١٠. (المؤلف)