وليس لك على الناس سلطان ... إلخ. على حين أنّ من كانت له السلطة عندئذٍ ، وهو الخليفة المقتول ، في آخر رمق من حياته حكم بأن يقتصّ من ابنه إن لم يقم البيّنة العادلة بأنّ الهرمزان قتل أباه ، ومن الواضح أنّه لم يقمها ، فلم يزل عبيد الله رهن هذا الحكم حتى أطلق سراحه ، وكان عليه مع ذلك دم جفينة وابنة أبي لؤلؤة.
وهل يشترط ناموس الإسلام للخليفة في إجرائه حدود الله وقوع الحوادث عند سلطانه؟ حتى يصاخ إلى ما جاء به ابن النابغة ، وإن صحّت الأحلام فاستيهاب الخليفة لما ذا؟ وهب أنّ خليفة الوقت له أن يهب أو يستوهب المسلمين حيث لا يوجد وليّ للمقتول ، ولكن هل له إلغاء الحكم النافذ من الخليفة قبله؟ وهل للمسلمين الذين استوهبهم فوهبوا مالا يملكون ردّ ذلك الحكم البات؟ وعلى تقدير أن يكون لهم ذلك ، فهل هبة أفراد منهم وافية لسقوط القصاص ، أو يجب أن يوافقهم عليها عامّة المسلمين؟ وأنت ترى أنّ في المسلمين من ينقم ذلك الإسقاط وينقد من فعله ، حتى أنّ عثمان لمّا رأى المسلمين أنّهم قد أبوا إلاّ قتل عبيد الله أمره فارتحل إلى الكوفة وأقطعه بها داراً وأرضاً ، وهي التي يقال لها : كويفة ابن عمر ، فعظم ذلك عند المسلمين وأكبروه وكثر كلامهم فيه (١).
وكان أمير المؤمنين علي عليهالسلام وهو سيّد الأمّة وأعلمها بالحدود والأحكام يكاشف عبيد الله ويهدّده بالقتل على جريمته متى ظفر به ، ولمّا ولي الأمر تطلّبه ليقتله فهرب منه إلى معاوية بالشام ، وقتل بصفّين ، كما في الكامل لابن الأثير (٢) (٣ / ٣٢). وفي الاستيعاب (٣) لابن عبد البرّ : إنّه قتل الهرمزان بعد أن أسلم وعفا عنه عثمان ، فلمّا ولي عليّ خشي على نفسه فهرب إلى معاوية فقتل بصفّين. وفي مروج
__________________
(١) راجع ما مرّ في : ص ١٣٣ ، ومعجم البلدان : ٧ / ٣٠٧ [٤ / ٤٩٦]. (المؤلف)
(٢) الكامل في التاريخ : ٢ / ٢٢٦ حوادث سنة ٢٣ ه.
(٣) الاستيعاب : القسم الثالث / ١٠١٢ رقم ١٧١٨.