إليه أن احمله على قتب بغير وطاء ، فقدم به إلى المدينة وقد ذهب لحم فخذيه ، فلمّا دخل إليه وعنده جماعة قال : بلغني أنّك تقول : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يقول : «إذا كملت بنو أميّة ثلاثين رجلاً اتّخذوا بلاد الله دولا ؛ وعباد الله خولا ؛ ودين الله دغلا» ، فقال : نعم سمعت رسول الله يقول ذلك. فقال لهم : أسمعتم رسول الله يقول ذلك؟ فبعث إلى عليّ بن أبي طالب فأتاه فقال : يا أبا الحسن أسمعت رسول الله يقول ما حكاه أبو ذر؟ وقصّ عليه الخبر فقال عليّ «نعم». فقال : فكيف تشهد؟ قال : «لقول رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : ما أظلّت الخضراء ولا أقلّت الغبراء ذا لهجة أصدق من أبي ذر». فلم يقم بالمدينة إلاّ أيّاماً حتى أرسل إليه عثمان : والله لتخرجنّ عنها ، قال : أتُخرجني من حرم رسول الله؟ قال : نعم وأنفك راغم ، قال : فإلى مكة؟ قال : لا. قال : فإلى البصرة؟ قال : لا. قال : فإلى الكوفة؟ قال : لا. ولكن إلى الربذة التي خرجت منها حتى تموت فيها. يا مروان أخرجه ولا تدع أحداً يكلّمه حتى يخرج. فأخرجه على جمل ومعه امرأته وابنته ، فخرج عليّ والحسن والحسين وعبد الله بن جعفر وعمّار بن ياسر ينظرون ، فلمّا رأى أبو ذر عليّا قام إليه فقبّل يده ثمّ بكى وقال : إنّي إذا رأيتك ورأيت ولدك ذكرت قول رسول الله فلم أصبر حتى أبكي. فذهب عليّ يكلّمه ؛ فقال مروان : إنّ أمير المؤمنين قد نهى أن يكلّمه أحد. فرفع عليّ السوط فضرب وجه ناقة مروان وقال : «تنحّ نحّاك الله إلى النار». ثمّ شيّعه وكلّمه بكلام يطول شرحه ، وتكلّم كلُّ رجل من القوم وانصرفوا وانصرف مروان إلى عثمان ، فجرى بينه وبين عليّ في هذا بعض الوحشة وتلاحيا كلاماً.
وأخرج ابن سعد من طريق الأحنف بن قيس قال : أتيت المدينة ثمّ أتيت الشام فجمّعت (١) فإذا أنا برجل لا ينتهي إلى سارية إلاّ خرّ أهلها يصلّي ويخفُّ صلاته. قال : فجلست إليه فقلت له : يا عبد الله من أنت؟ قال : أنا أبو ذر. فقال لي :
__________________
(١) أي : حضرت الجمعة.