فدفع أبو ذر في صدر كعب وقال له : كذبت يا ابن اليهوديّ ثم تلا : (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقابِ وَأَقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذا عاهَدُوا) ، الآية (١). فقال عثمان : أترون بأساً أن نأخذ مالاً من بيت مال المسلمين فننفقه فيما ينوبنا من أُمورنا ونعطيكموه؟ فقال كعب : لا بأس بذلك. فرفع أبو ذر العصا فدفع بها في صدر كعب وقال : يا ابن اليهوديّ ما أجرأك على القول في ديننا! فقال له عثمان : ما أكثر أذاك لي! غيّب وجهك عنّي فقد آذيتني. فخرج أبو ذر إلى الشام (٢).
فإنّما دعا أبو ذر في هذه الواقعة إلى العطاء المندوب المدلول عليه بقوله : ـ ينبغي ـ الوارد في رواية الطبري ، وبالآية الكريمة الواردة في حديث المسعودي : وهو من واجبات البشريّة وفروض الإنسانيّة التي ضيّعتها الشيوعيّة الممقوتة ، والأحاديث المرغّبة لكلّ ممّا ذكر أبو ذر أكثر من أن تحصى.
جاء من طريق فاطمة بنت قيس عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أنّه قال : «إنّ في المال حقّا سوى الزكاة» ثمّ قرأ : (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ). الآية المذكورة. وروى بيان وإسماعيل هذا الحديث عن الشعبي.
أخرجه (٣) ابن أبي حاتم ، والترمذي ، وابن ماجة ، وابن عدي ، وابن مردويه ، والدارقطني ، وابن جرير ، وابن المنذر.
__________________
(١) البقرة : ١٧٧.
(٢) هذه القضيّة كما ترى وقعت قبل إخراج أبي ذر إلى الشام وهي السبب الوحيد في نفيه إليها ، فهذا اللفظ يكذّب ما في رواية الطبري من أنّ أبا ذر كان يختلف من الربذة إلى المدينة ... إلخ. ولم يختلف اثنان في أنّ أبا ذر في مدّة نفيه إلى الربذة لم يأتِ قطّ إلى المدينة كما مرّ في : ص ٣٣٣. (المؤلف)
(٣) سنن الترمذي : ٣ / ٤٨ ح ٦٦٠ ، سنن ابن ماجة : ١ / ٥٧٠ ح ١٧٨٩. الكامل في ضعفاء الرجال : ٤ / ١١ رقم ٨٨٨ ، سنن الدارقطني : ٢ / ١٢٥ ح ١١ ، جامع البيان : مج ٢ / ج ٢ / ٩٦.