نابت عنه «أما» وهو مهما ، والتقدير : مهما يكن من شيء فأما الذين اسودت يقال لهم كذا ، فاحفظه وقس عليه ، والهمزة للاستفهام الإنكاري التوبيخي وكفرتم فعل وفاعل وبعد ظرف متعلق بكفرتم وإيمانكم مضاف إليه (فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ) الفاء الفصيحة لأنها أفصحت عما هو مقدر أي إذا عرفتم ذلك فذوقوا العذاب ، وبما جار ومجرور متعلقان بذوقوا وما مصدرية وهي مع مدخولها في محل جر بالباء أي بسبب كفركم وجملة تكفرون في محل نصب خبر كنتم (وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ) تقدم إعرابها (فَفِي رَحْمَتِ اللهِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) الفاء رابطة لجواب أما والجار والمجرور متعلقان بمحذوف خبر الذين وهم مبتدأ وفيها جار ومجرور متعلقان بخالدون وخالدون خبرهم وجملة هم فيها خالدون حالية.
البلاغة :
١ ـ في هذه الآية فن التدبيج وهو فن دقيق المسلك ، حلو المأخذ ، رشيق الدلالة ، وحده أن يذكر الشاعر أو الناثر لونين أو أكثر ، يقصد بذلك الكناية أو التورية عما يريد من أغراض ، وقد لا يقصد غير الوصف. فالبياض والسواد لونان متضادان ، والتضاد يعني التطابق ، ولكنه كنى بهما عن فريقين من الناس ، فمن كان من أهل الحق وسم ببياض اللون ونصاعته ، ومن كان من أهل الباطل وسم بسواد الليل وحلكته ، ولا يخفى ما في ذلك من التهويل ، وتباين المصير المحتوم لكل من الفريقين. ومن طريف التدبيج في الشعر وما ينطوي عليه من كناية قول أبي تمام في رثاء محمد بن حميد الطوسي شهيد الجهاد :