الاستسلام للعدو ، ويبشرهم بأن عدوهم مخذول أبدا وأن عليهم أن يباشروا قتاله في كل وقت ، وأن لا يهنوا إذا خيل إليهم أن عدوهم قد ظهر عليهم ، فلا بد له أن يخذل في مستقبل الأيام ، فإن تاريخ الأمة لا يحسب بحساب الزمن ، ولا يعد بالسنين القليلة وإن حياة الأمم والشعوب ليست كحياة الافراد.
والإشكال الثاني أنه عطف الفعل المضارع المرفوع على المضارع المجزوم ، وهو يبدو للوهلة الأولى أو لأصحاب النظر السطحي المجرد أنه خلاف الأولى ، ولكنه عدل عن الجزم إلى الرفع ليعلم أن عدم النصر لهم هو عهد قطعه الله على نفسه ، ومن أصدق من الله حديثا أو عهدا وإن انتفاء النصر عنهم مستمر إلى الأبد ، ولا عبرة في الحالات الطارئة ، والظروف الاستثنائية المؤقتة التي تسنح لهم في الفترات الطويلة المتعاقبة التي ينتصرون فيها فعدل عن الجزم الذي يقتضيه سياق الكلام ، كأنه قال ثم أخبركم مبشرا بأنهم لا ينصرون في المستقبل أبدا. كما أشرنا إلى ذلك في باب الإعراب.
٢ ـ والفن الثاني في هذه الآية هو : «فن التعليق». وهو أن يتعلق الكلام إلى حين ، ولذلك اختير لفظ «ثم» دون حروف العطف ، لأنه يدل على المهلة الملائمة لدلالة الفعل المضارع على الاستقبال ، كأنه قال : ثم هاهنا ما هو أعلى في الامتنان ، وأسمى في مراتب الإحسان ، وهو أن هؤلاء اليهود قوم لا ينصرون البتة مهما وأتتهم الامكانيات ، ومهما أغدقت عليهم المساعدات.
٣ ـ والفن الثالث في هذه الآية هو فن المطابقة المعنوية بين نصر المؤمنين وخذلان الكافرين.