ما ينفقون في هذه الحياة الدنيا كمثل حرث قوم ظلموا أنفسهم فأصابته ريح فيها صرّ ، ولكن خولف النظم في المثل المذكور لفائدة جليلة وهي تقديم ما هو أهم لأن الريح التي هي مثل العذاب ذكرها في سياق الوعيد والتهديد أهم من ذكر الحرث ، فقدمت عناية بذكرها ، واعتمادا على أن الأذواق والفطر المستقيمة تستطيع رد الكلام إلى أصله على أيسر وجه.
وقد استدل الفقهاء بهذه الآية على أن صدقة الكفار لا تنفع أصحابها ، لأن العقيدة هي الأصل ، وعليها الاعتماد ، وهذا أسمى ما يصل إليه البيان.
٢ ـ التتميم : وقد تقدم ذكره ، وهو أن يأتي المتكلم بكلمة إذا طرحت من الكلام نقص معناه في ذاته أو صفاته ، والتتميم هنا في كلمة «فيها صر» فإنها أفادت المبالغة كما أفادت التجسيد والتشخيص ، كما تقول : برد بارد وليلة ليلاء ويوم أيوم ، ثم قيد الصر بالظرفية ، لأن الريح مطلقة ثم قيدها بالظرفية ، وكل مقيد ظرف لمطلقه ، لأن المطلق بعض المقيد ، فحصل التجسيد والتشخيص. وهذه من عيون النكت البلاغية ، فاحرص عليها والله يعصمك.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبالاً وَدُّوا ما عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضاءُ مِنْ أَفْواهِهِمْ وَما تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ (١١٨))