عليهما ، بشر ، لأن أكل الطعام يستتبعه الهضم والنفض ، فاكتفى بذكر أكل الطعام عن كل هذا تهذيبا وتصوّنا ، وهذا من غريب الكنايات في اللغة العربية. وقد قدمنا عن الكناية كثيرا ، ولا بد هنا من لفت النظر الى أن الكناية ـ حيث وردت ـ يتعاورها جانبا حقيقة ومجاز ، وجاز حملها عليهما معا ، كقوله تعالى : «أو لامستم النساء» فإنه يجوز حمل الكناية على الحقيقة والمجاز ، وكلّ منهما يصح به المعنى ، ولا تختل العبارة ، فمن حمل على الحقيقة كالشافعي اعتبر أن اللمس هو مصافحة الجسد للجسد ، فأوجب الوضوء ، وتلك هي الحقيقة في اللمس ، ومن حمل على المجاز كأبي حنيفة اعتبر أن اللمس هو الجماع فذلك هو المجاز. وسيرد معنى المزيد من الكناية وطرائفها في هذا الكتاب.
٢ ـ التكرير في قوله : «انظر» أولا ، ثم قال : «ثم انظر» ثانيا. وفي ذلك دليل على الاهتمام بالنظر والتدبر ، وإن اختلفت النظرتان ، فالأولى متعلقة بكيفية إيضاح الله لخلقه الآيات ، والثانية متعلقة بانصرافهم عنها ، وصدوفهم عن التأمل في مراميها وأهدافها.
(قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً وَاللهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٧٦) قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلا تَتَّبِعُوا أَهْواءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيراً وَضَلُّوا عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ (٧٧))