وهذا كتاب رسول الله. فقام السبع فهرول قدّامه غلوة ، ثم همهم ، ثم صرخ وتنحّى عن الطريق ، فمضى بكتاب رسول الله إلى معاذ ، ثم رجع بالجواب فإذا هو بالسبع ، فخاف أن يجوز فقال : أيّها السبع إنّي رسول رسول الله من عند معاذ ، وهذا جواب كتاب رسول الله من معاذ. فقام السبع ، فصرخ ثم همهم ، ثم تنحّى عن الطريق. فلمّا قدم أخبر رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بذلك ، فقال : أوتدرون ما قال أوّل مرّة؟ قال : كيف رسول الله ، وأبو بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعليّ؟ وأمّا الثاني : فقال : أقرئ رسول الله ، وأبا بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعليّا ، وسلمان ، وصهيباً ، وبلالاً ، منّي السلام.
تاريخ ابن عساكر (١) (٣ / ٣١٤).
قال الأميني : مثل هذه الرواية التي فيها أعلام النبوّة وكرامة الخلفاء ، وفضل جمع من الصحابة ، لا بدّ من أن تلوكه الأشداق ، وتتداوله الألسن ، وتكثر روايته في المجامع والأندية ، ولا تخصّ بحافظ الشام من بين أئمّة الحديث وحفّاظه ، وقد تفرّد به ابن عساكر ، وقال ابن بدران في غير موضع : كلّ ما تفرّد به ابن عساكر فهو ضعيف. راجع تاريخه (٢) (٤ / ٢٣٦ و ٥ / ١٨٣ ، ١٨٤) ، وعلى الرواية نفسها من ملامح الافتعال ما لا يخفى.
وما أعرف هذا السبع بالخلفاء حتى ذكرهم مرّتين ، وأهدى إليهم السلام على ترتيب خلافتهم ، فكأنّ علم الغيب أُلقي إلى السباع شطره فعرفوا خلفاء النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم قبل أن يُستخلفوا ، وعرفت من الصحابة أُناساً ليسوا هم في الغارب والسنام ، كما أنها جهلت بأناس هم في الذروة العالية من جلالة الصحبة وعظمتها ، فحذفت عمّن سلّم عليهم أسماءهم ، وبلغ تزلّفها إلى الطبقة الواطئة من الموالي ، أو هكذا تكون رشحات عالم الغيب؟ أم هكذا تخبط السباع خبط عشواء؟ أم هذه كلّها جناية الغلوّ في الفضائل؟
__________________
(١) تاريخ مدينة دمشق : ١٠ / ٤٧٣ ـ ٤٧٤ ، وفي مختصر تاريخ دمشق : ٥ / ٢٦٦.
(٢) تهذيب تاريخ دمشق : ٤ / ٢٣٩ ، ٥ / ١٨٦ ، ١٨٧.