تقمّص الخلافة فضيلة يستحقّ بها الخلافة ، وتدعم بها الحجّة على الناس في بيعته تقاعست وتقاعدت عنها وما مُدّت إليها منهم يد ، ولم تكن لهم فيها قدم ، وما بايعه يومها الأوّل إلاّ رجلان أو أربعة ، أو خمسة ، ثم حدت الأُمّة إليها الدعوة المشفوعة بالإرهاب والترعيب ، وما كان في أفواه الدعاة إليها إلاّ الترهيب بالقتل والضرب والحرق ، أو قولهم : إنّ أبا بكر السبّاق المسنّ ، صاحب رسول الله في الغار ، وكانت هذه غاية جهدهم في عدّ فضائل أبي بكر. قال ابن حجر في فتح الباري (١) (١٣ / ١٧٨) : وهي ـ فضيلة كونه ثاني اثنين في الغار ـ أعظم فضائله التي استحقّ بها أن يكون الخليفة من بعد النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ولذلك قال عمر بن الخطّاب : إنّ أبا بكر صاحب رسول الله ، ثاني اثنين ، فإنّه أولى المسلمين بأموركم. انتهى.
ألا مسائل ابن حجر عن أنّ صحبة يومين في الغار التي تتصور على أنحاء ، وللقول فيها مجال واسع ، صحبة ما أمكنت الرجل من أن يصف صاحبه لمّا جاءهُ اليهود وقالوا : صف لنا صاحبك. فقال : معشر اليهود لقد كنت معه في الغار كإصبعيّ هاتين ، ولقد صعدت معه جبل حراء وإنّ خنصري لفي خنصره ، ولكنّ الحديث عنه صلىاللهعليهوآلهوسلم شديد ، وهذا عليّ بن أبي طالب. فأتوا عليّا فقالوا : يا أبا الحسن صف لنا ابن عمّك ، فوصفه. الحديث (٢).
كيف استحقّ الرجل بمثل هذه الصحبة الخلافة وصار بذلك أولى الناس بأمورهم؟ وأمّا صحبة عليّ عليهالسلام إيّاه منذ نعومة أظفاره إلى آخر نفس لفظه صلىاللهعليهوآلهوسلم حتى عاد منه كالظلّ من ذيه ، وعُدّ نفسه في الكتاب العزيز ، وقرنت ولايته بولاية الله وولاية نبيّه ، وجعلت مودّته أجر الرسالة ، فلم تستوجب استحقاقه بها الخلافة والأولويّة بأمور الناس بعد قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «من كنت مولاه فعليّ مولاه» إنّ هذا لشيء عجاب!
__________________
(١) فتح الباري : ١٣ / ٢٠٩.
(٢) الرياض النضرة : ٢ / ١٩٥ [٣ / ١٤٣]. (المؤلف)