وفروضها ، وإنّما كان يعمل بما يرتئيه وتحبّذ له ميوله ، غير مكترث لمخالفته الدين ، متى وجد فيه حريجة من شهواته ، ومدخلاً من أهوائه ، فحسب أنّ في تقديم الأذان دعوة إلى الاجتماع وملتمحاً للأبّهة ، وعزب عنه أن دين الله لا يقاس بهذه المقاييس ، وإنّما هو منبعث عن مصالح لا يعلم حقائقها إلاّ الله ، ولو كانت لتلك المزعمة مقيل من الحقّ لجاء بها نبيّ العظمة صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فدع معاوية يتورّط في سيّئاته ، ويُهملج في تركاضه إلى الضلال ، والله يعلم منقلبه ومثواه.
ـ ٥ ـ
معاوية يصلّي الجمعة يوم الأربعاء
إنّ رجلاً من أهل الكوفة دخل على بعير له إلى دمشق في حال منصرفهم عن صفّين ، فتعلّق به رجل من دمشق ، فقال : هذه ناقتي أخذت منّي بصفّين. فارتفع أمرهما إلى معاوية ، وأقام الدمشقي خمسين رجلاً بيّنة يشهدون أنّها ناقته ، فقضى معاوية على الكوفي وأمره بتسليم البعير إليه ، فقال الكوفي : أصلحك الله إنّه جمل وليس بناقة ، فقال معاوية : هذا حكم قد مضى ، ودسّ إلى الكوفيّ بعد تفرّقهم فأحضره ، وسأله عن ثمن بعيره فدفع إليه ضعفه ، وبرّه وأحسن إليه ، وقال له : أبلغ عليّا أنّي أقابله (١) بمائة ألف ما فيهم من يفرّق بين الناقة والجمل. ولقد بلغ من أمرهم في طاعتهم له أنّه صلّى بهم عند مسيرهم إلى صفّين الجمعة في يوم الأربعاء ، وأعاروه رءوسهم عند القتال ، وحملوه بها وركنوا إلى قول عمرو بن العاص : إنّ عليّا هو الذي قتل عمّار بن ياسر حين أخرجه لنصرته ، ثم ارتقى بهم الأمر في طاعته إلى أن جعلوا لعن عليّ سنّة ينشأ عليها الصغير ويهلك عليها الكبير (٢).
قال الأميني : اشتملت هذه الصحيفة السوداء على أشياء تجد البحث عن بعضها
__________________
(١) في المصدر : أُقاتله.
(٢) مروج الذهب : ٢ / ٧٢ [٣ / ٤٢]. (المؤلف)