مؤمِّن من العقاب غداً وإن تعمّد اليوم إلغاء حدّ من حدود الله؟ وهل نيّة التوبة عن المعصية تبيح اجتراح تلك السيّئة؟ إنّ هذا لشيءٌ عجاب ، ومن ذا الّذي طمّنه بأنّه سيوفّق للتوبة عنها ولا يحول بينه وبينها ذنوب تسلبه التوفيق ، أو عظائم تسلبه الإيمان ، أو استخفاف بالشريعة ينتهي به إلى نار الخلود؟ ويظهر منه أنّ التعمّد لاقتراف الذنوب بأمل التوبة كان مطّرداً عند معاوية ، وهذا ممّا يخلّ بأنظمة الشريعة ، ونواميس الدين ، وطقوس الإسلام ، فإنّ النفوس الشريرة إنّما تترك أكثر المعاصي خوفاً من العقوبة الفعليّة ، فإن زحزحت عنها بأمثال هذه التافهات لم يبق محظور يُفسد النفوس ، ويقلق السلام ، ويعكّر صفو الإسلام إلاّ وقد عمل به ، وهذا نقض لغاية التشريع ، وإقامة الحدود الكابحة لجماح الجرأة على الله ورسوله.
وهب أنّ التوبة مكفّرة عن العصيان في الجملة ، ولكن من ذا الذي أنبأه أنّها من تلك التوبة المقبولة؟ (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولئِكَ يَتُوبُ اللهُ عَلَيْهِمْ وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً* وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ حَتَّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولئِكَ أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً) (١).
ـ ١٢ ـ
معاوية ولبسه ما لا يجوز
أخرج أبو داود من طريق خالد قال : وفد المقدام بن معدي كرب ، وعمرو بن الأسود ، ورجل من بني أسد من أهل قنسرين إلى معاوية بن أبي سفيان ، فقال معاوية للمقدام : أعلمت أنّ الحسن بن عليّ توفّي؟ فرجّع (٢) المقدام ، فقال له رجل : (٣)
__________________
(١) النساء : ١٧ ، ١٨.
(٢) أي قال : إنّا لله وإنّا إليه راجعون.
(٣) في مسند أحمد : ٤ / ١٣٠ [٥ / ١١٨ ح ١٦٧٣٨] : فقال له معاوية : أتراها مصيبة؟ أنظر إلى أمانة أبي داود! (المؤلف)