كان في خلد معاوية يوم استقرّت له الملوكيّة ، وتمّ له الملك العضوض ، أن يتّخذ ابنه وليّ عهده ويأخذ له البيعة ، ويؤسّس حكومة أُمويّة مستقرّة في أبناء بيته ، فلم يزل يروّض الناس لبيعته سبع سنين ، يُعطي الأقارب ويُداني الأباعد (١) ، وكان يبتلعه طوراً ، ويجترّ به حيناً بعد حين ، يمُهّد بذلك السبيل ، ويسهّل حزونته ، ولمّا مات زياد سنة (٥٣) وكان يكره تلك البيعة ، أظهر معاوية عهداً مفتعلاً ـ على زياد ـ ، فقرأه على الناس ، فيه عقد الولاية ليزيد بعده ، وأراد بذلك أن يسهّل بيعة يزيد كما قاله المدائني (٢). وقال أبو عمر في الاستيعاب (٣) (١ / ١٤٢) : كان معاوية قد أشار بالبيعة ليزيد في حياة الحسن ، وعرّض بها ، ولكنّه لم يكشفها ، ولا عزم عليها إلاّ بعد موت الحسن.
قال ابن كثير في تاريخه (٤) (٨ / ٧٩) : وفي سنة ستّ وخمسين دعا معاوية الناس إلى البيعة ليزيد ولده ، أن يكون وليّ عهده من بعده ، وكان قد عزم قبل ذلك على هذا في حياة المغيرة بن شعبة (٥) ، فروى ابن جرير (٦) من طريق الشعبي : أنّ المغيرة كان قد قدم على معاوية وأعفاه من إمرة الكوفة ، فأعفاه لكبره وضعفه ، وعزم على توليتها سعيد بن العاص ، فلمّا بلغ ذلك المغيرة كأنّه ندم ، فجاء إلى يزيد بن معاوية فأشار عليه بأن يسأل من أبيه أن يكون وليّ العهد ، فسأل ذلك من أبيه ، فقال : من أمرك بهذا؟ قال : المغيرة. فأعجب ذلك معاوية من المغيرة ، وردّه إلى عمل الكوفة ، وأمره أن يسعى في ذلك ، فعند ذلك سعى المغيرة في توطيد ذلك ، وكتب معاوية إلى زياد
__________________
(١) العقد الفريد : ٢ / ٣٠٢ [٤ / ١٦١]. (المؤلف)
(٢) العقد الفريد : ٢ / ٣٠٢ [٤ / ١٦١] ، تاريخ الطبري : ٦ / ١٧٠ [٥ / ٣٠٣ حوادث سنة ٥٦ ه]. (المؤلف)
(٣) الاستيعاب : القسم الأول / ٣٩١ رقم ٥٥٥.
(٤) البداية والنهاية : ٨ / ٨٦ حوادث سنة ٥٦ ه.
(٥) توفّي المغيرة سنة خمسين ، وقدم على معاوية في سنة خمس وأربعين واستعفاه من الإمرة ، وهي سنة بدوّ فكر بيعة يزيد في خَلَد معاوية بإيعاز من المغيرة. (المؤلف)
(٦) تاريخ الأُمم والملوك : ٥ / ٣٠١ حوادث سنة ٥٦ ه.