الصحف : إنّ أمير المؤمنين كتب يستشيرني في كذا وكذا ، وإنّه يتخوّف نفرة الناس ، ويرجو طاعتهم ، وعلاقة أمر الإسلام وضمانه عظيم ، ويزيد صاحب رسلة وتهاون مع ما قد أُولع به من الصيد ، فالقَ أمير المؤمنين وأدِّ إليه فعلات يزيد ، وقل له : رويدك بالأمر فأحرى لك أن يتمّ لك ، لا تعجل فإنّ دركاً في تأخير خير من فوت في عجلة. فقال له عُبيد : أفلا غير هذا؟ قال : وما هو؟ قال : لا تفسد على معاوية رأيه ، ولا تبغّض إليه ابنه ، وأُلفي أنا يزيد فأخبره أنّ أمير المؤمنين كتب إليك ، يستشيرك في البيعة له ، وأنّك تتخوّف خلاف الناس عليه لهنات ينقمونها عليه ، وأنّك ترى له ترك ما يُنقم عليه لتستحكم له الحجّة على الناس ، ويتمّ ما تريد فتكون قد نصحت أمير المؤمنين وسلمت ممّا تخاف من أمر الأُمّة. فقال زياد : لقد رميت الأمر بحجره ، اشخص على بركة الله ، فإن أصبت فما لا ينكر ، وإن يكن خطأ فغير مستغشّ ، وتقول بما ترى ، ويقضي الله بغيب ما يعلم. فقدم على يزيد فذكر ذلك له فكفّ عن كثير ممّا كان يصنع ، وكتب زياد معه إلى معاوية يشير بالتؤدة وأن لا يعجل ، فقبل منه. فلمّا مات زياد عزم معاوية على البيعة لابنه يزيد ، فأرسل إلى عبد الله بن عمر مائة ألف درهم فقبلها ، فلمّا ذكر البيعة ليزيد قال ابن عمر : هذا أراد ، إنّ ديني إذن لرخيص. وامتنع (١).
بيعة يزيد في الشام وقتل الحسن السبط دونها :
لمّا اجتمعت عند معاوية وفود الأمصار بدمشق ـ بإحضار منه ـ وكان فيهم الأحنف بن قيس ، دعا معاوية الضحّاك بن قيس الفهري فقال له : إذا جلست على المنبر وفرغت من بعض موعظتي وكلامي فاستأذنّي للقيام ، فإذا أذنت لك فاحمد الله تعالى واذكر يزيد ، وقل فيه الذي يحقّ له عليك من حسن الثناء عليه ، ثم ادعني إلى توليته من بعدي ، فإنّي قد رأيت وأجمعت على توليته ، فأسأل الله في ذلك وفي غيره
__________________
(١) تاريخ الطبري : ٦ / ١٦٩ ، ١٧٠ [٥ / ٣٠١ ـ ٣٠٣ حوادث سنة ٥٦ ه] ، كامل ابن الأثير : ٣ / ٢١٤ ، ٢١٥ [٢ / ٥٠٩ حوادث سنة ٥٦ ه]. (المؤلف)