دمشق ، فخرج حتى أتى سدّة معاوية وقد أذن للناس ، فلمّا نظر الحاجب إلى كثرة من معه من قومه وأهل بيته منعه من الدخول ، فوثبوا إليه فضربوا وجهه حتى خلّى عن الباب ، ثم دخل مروان ودخلوا معه ، حتى إذا كان معاوية بحيث تناله يده ، قال بعد التسليم عليه بالخلافة : إنّ الله عظيم خطره ، لا يقدر قادر قدره ، خلق من خلقه عباداً جعلهم لدعائم دينه أوتاداً ، هم رقباؤه على البلاد ، وخلفاؤه على العباد ، أسفر بهم الظلم وألّف بهم الدين ، وشدّد بهم اليقين ، ومنح بهم الظفر ، ووضع بهم من استكبر ، فكان من قبلك من خلفائنا يعرفون ذلك في سالف زماننا ، وكنّا نكون لهم على الطاعة إخواناً ، وعلى من خالف عنّا أعواناً ، يُشدّ بنا العضد ، ويُقام منّا الأود ، ونُستشار في القضيّة ، ونُستأمر في أمر الرعيّة ، وقد أصبحنا اليوم في أُمور مستخيرة ، ذات وجوه مستديرة ، تفتح بأزمّة الضلال ، وتجلس بأسوأ الرجال ، يؤكل جزورها وتمقّ (١) أحلابها ، فما لنا لا نستأمر في رضاعها ونحن فطامها وأولاد فطامها؟ وايم الله لو لا عهود مؤكّدة ومواثيق معقّدة لأقمت أَوَد وليِّها ، فأقم الأمر يا بن أبي سفيان ، واهدأ من تأميرك الصبيان ، واعلم أنّ لك في قومك نظراً ، وأنّ لهم على مناوأتك وزراً.
فغضب معاوية من كلامه غضباً شديداً ، ثم كظم غيظه بحلمه ، وأخذ بيد مروان ثم قال : إن الله قد جعل لكلّ شيء أصلاً ، وجعل لكلّ خير أهلاً ، ثم جعلك في الكرم منّي محتداً ، والعزيز منّي والداً ، اخترت من قروم قادة ، ثم استللت سيّد سادة ، فأنت ابن ينابيع الكرم (٢) ، فمرحباً بك وأهلاً من ابن عمّ. ذكرت خلفاء مفقودين شهداء صدّيقين ، كانوا كما نعتّ ، وكنت لهم كما ذكرت ، وقد أصبحنا في أُمور مستخيرة ذات وجوه مستديرة ، وبك والله يا ابن العمّ نرجو استقامة أودها ، وذلولة صعوبتها ، وسفور
__________________
(١) أي يشرب لبنها جميعه ، والمراد أنّ معاوية يستأثر بكلّ شيء في الخلافة.
(٢) قايس بين هذه الإطراءات الفارغة المكذوبة وبين قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم لذلك الطريد ابن الطريد ، والوزغ ابن الوزغ ، اللعين ابن اللعين ، ونحن لو أعطينا لمعاوية حقّ المقام لقلنا : مكره أخوك لا بطل [يضرب لمن يحمل على ما ليس من شأنه : مجمع الأمثال : ٣ / ٣٤١ رقم ٤١١٧]. (المؤلف)