فكتب معاوية إلى عبد الله بن العباس ، وإلى عبد الله بن الزبير ، وإلى عبد الله بن جعفر ، والحسين بن عليّ كتباً ، وأمر سعيد بن العاص أن يوصلها إليهم ، ويبعث بجواباتها ، وكتب إلى سعيد بن العاص :
أمّا بعد : فقد أتاني كتابك وفهمت ما ذكرت فيه من إبطاء الناس عن البيعة ولا سيّما بني هاشم وما ذكر ابن الزبير ، وقد كتبت إلى رؤسائهم كتباً فسلّمها إليهم ، وتنجّز جواباتها ، وابعث بها حتى أرى في ذلك رأيي ، ولتشتد عزيمتك ، ولتصلب شكيمتك ، وتحسن نيّتك ، وعليك بالرفق ، وإيّاك والخرق ، فإنّ الرفق رشد ، والخرق نكد ، وانظر حسيناً خاصّة فلا يناله منك مكروه ، فإنّ له قرابة وحقّا عظيماً لا ينكره مسلم ولا مسلمة ، وهو ليث عرين ، ولست آمنك إن شاورته أن لا تقوى عليه. فأمّا من يرد مع السباع إذا وردت ، ويكنس إذا كنست ، فذلك عبد الله بن الزبير ، فاحذره أشدّ الحذر ، ولا قوّة إلاّ بالله ، وأنا قادم عليك إن شاء الله. والسلام (١).
قال الأميني : يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم. نعم ، والحقّ أنّ للحسين ولأبيه وأخيه قرابة وحقّا عظيماً لا ينكره مسلم ولا مسلمة ، إلاّ معاوية وأذنابه الذين قلبوا عليهم ظهر المجنّ بعد هذا الاعتراف الذي جحدوا به واستيقنته أنفسهم ، بعد أن حلبت الأيّام لهم درّتها ، فضيّعوا تلك القرابة ، وأنكروا ذلك الحقّ العظيم ، وقطعوا رحماً ماسّة إن كان بين الطلقاء وسادات الأُمّة رحم.
هيهات لا قرّبت قربى ولا رحم |
|
يوماً إذا أقصت الأخلاق والشيمُ |
كانت مودّةُ سلمانٍ له رحماً |
|
ولم يكن بين نوحٍ وابنه رحمُ (٢) |
__________________
(١) الإمامة والسياسة لابن قتيبة : ١ / ١٤٤ ـ ١٤٦ [١ / ١٥٣ ـ ١٥٤]. (المؤلف)
(٢) من قصيدة شهيرة للأمير أبي فراس. (المؤلف)