بيعة يزيد في المدينة المشرّفة :
حجّ معاوية في سنة (٥٠) ، واعتمر في رجب سنة (٥٦) ، وكان في كلا السفرين يسعى وراء بيعة يزيد ، وله في ذلك خطوات واسعة ومواقف ومفاوضات مع بقيّة الصحابة ووجوه الأُمّة ، غير أنّ المؤرّخين خلطوا أخبار الرحلتين بعضها ببعض وما فصّلوها تفصيلاً.
الرحلة الأولى :
قال ابن قتيبة (١) : قالوا : استخار الله معاوية وأعرض عن ذكر البيعة حتى قدم المدينة سنة خمسين ، فتلقّاه الناس ، فلمّا استقرّ في منزله أرسل إلى عبد الله بن عبّاس ، وعبد الله بن جعفر بن أبي طالب ، وإلى عبد الله بن عمر ، وإلى عبد الله بن الزبير ، وأمر حاجبه أن لا يأذن لأحد من الناس حتى يخرج هؤلاء النفر ، فلمّا جلسوا تكلّم معاوية فقال :
الحمد لله الذي أمرنا بحمده ، ووعدنا عليه ثوابه ، نحمده كثيراً كما أنعم علينا كثيراً ، وأشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له ، وأنّ محمداً عبده ورسوله. أمّا بعد : فإنّي قد كبر سنّي ووهن عظمي ، وقرُب أجلي ، وأوشكت أن أُدعى فأُجيب ، وقد رأيت أن استخلف عليكم بعدي يزيد ، ورأيته لكم رضا ، وأنتم عبادلة قريش وخيارها وأبناء خيارها ، ولم يمنعني أن أُحضر حسناً وحسيناً إلاّ أنّهما أولاد أبيهما [عليٍ] (٢) ، على حسن رأيي فيهما وشديد محبّتي لهما ، فردّوا على أمير المؤمنين خيراً يرحمكم الله.
فتكلّم عبد الله بن العبّاس ، فقال :
الحمد لله الذي ألهمنا أن نحمده واستوجب علينا الشكر على آلائه وحسن
__________________
(١) الإمامة والسياسة : ١ / ١٤٨.
(٢) من المصدر.