خلفه رجلان محفوظان وثالث مشكوك (١) ، وبين ذلك خوض طالما عالجناه مشاهدةً ومكافحةً ومعاينةً وسماعاً ، وما أعلم منه فوق ما تعلمان ، وقد كان من أمر يزيد ما سبقتم إليه وإلى تجويزه ، وقد علم الله ما أُحاول به من أمر الرعيّة من سدّ الخلل ، ولمّ الصدع بولاية يزيد ، بما أيقظ العين ، وأحمد الفعل ، هذا معناي في يزيد وفيكما فضل القرابة ، وحظوة العلم ، وكمال المروءة ، وقد أصبت من ذلك عند يزيد على المناظرة والمقابلة ما أعياني مثله عندكما وعند غيركما ، مع علمه بالسنّة وقراءة القرآن ، والحلم الذي يرجح بالصمّ الصلاب ، وقد علمتما أنّ الرسول المحفوظ بعصمة الرسالة ، قدّم على الصدّيق والفاروق ومن دونهما من أكابر الصحابة وأوائل المهاجرين يوم غزوة السلاسل ، من لم يقارب القوم ولم يعاندهم برتبة في قرابة موصولة ولا سنّة مذكورة ، فقادهم الرجل بإمرة ، وجمع بهم صلاتهم ، وحفظ عليهم فيئهم ، وقال ولم يقل معه ، وفي رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أسوة حسنة ، فمهلاً بني عبد المطلب فإنّا وأنتم شعبا نفع وجدّ ، وما زلت أرجو الإنصاف في اجتماعكما ، فما يقول القائل إلاّ بفضل قولكما ، فردّا على ذي رحم مستعتب ما يحمد به البصيرة في عتابكما ، وأستغفر الله لي ولكما.
كلمة الإمام السبط :
فتيسّر ابن عبّاس للكلام ونصب يده للمخاطبة ، فأشار إليه الحسين وقال : «على رسلك ، فأنا المراد ، ونصيبي في التهمة أوفر». فأمسك ابن عبّاس ، فقام الحسين ، فحمد الله وصلّى على الرسول ، ثم قال :
«أمّا بعد يا معاوية فلن يؤدّي القائل وإن أطنب في صفة الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم من جميع جزءاً ، وقد فهمت ما لبست به الخلف بعد رسول الله ، من إيجاز الصفة والتنكّب عن استبلاغ النعت ، وهيهات هيهات يا معاوية ، فضح الصبح فحمة الدجى ، وبهرت
__________________
(١) كذا ، وفي الطبعة المعتمدة : وثالث مشكور.