معاوية : كأنّك تريد نفسك؟ فقال الحسين : «نعم أصلحك الله». فقال معاوية : إذاً أُخبرك ، أمّا قولك خير منه أُمّا فلعمري أُمّك خير من أُمّه ، ولو لم يكن إلاّ أنّها امرأة من قريش لكان لنساء قريش فضلهنّ ، فكيف وهي ابنة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم؟! ثم فاطمة في دينها وسابقتها ، فأُمّك لعمر الله خير من أُمّه. وأمّا أبوك فقد حاكم أباه إلى الله فقضى لأبيه على أبيك. فقال الحسين : «حسبك جهلك ، آثرت العاجل على الآجل». فقال معاوية : وأمّا ما ذكرت من أنّك خير من يزيد نفساً ، فيزيد والله خير لأُمّة محمد منك. فقال الحسين : «هذا هو الإفك والزور ، يزيد شارب الخمر ومشتري اللهو ، خير منّي؟» فقال معاوية : مهلاً عن شتم ابن عمّك ، فإنّك لو ذُكِرت عنده بسوء لم يشتمك.
ثم التفت معاوية إلى الناس وقال : أيّها الناس قد علمتم أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قُبض ولم يستخلف أحداً ، فرأى المسلمون أن يستخلفوا أبا بكر ، وكانت بيعته بيعة هدى ، فعمل بكتاب الله وسنّة نبيّه ، فلما حضرته الوفاة رأى أن [يستخلف عمر ، فعمل عمر بكتاب الله وسنّة نبيّه. فلما حضرته الوفاة رأى أن] (١) يجعلها شورى بين ستّة نفر اختارهم من المسلمين ، فصنع أبو بكر ما لم يصنعه رسول الله ، وصنع عمر ما لم يصنعه أبو بكر ، كلّ ذلك يصنعونه نظراً للمسلمين ، فلذلك رأيت أن أُبايع ليزيد لما وقع الناس فيه من الاختلاف ، ونظراً لهم بعين الإنصاف (٢).
رحلة معاوية الثانية وبيعة يزيد فيها :
قال ابن الأثير : فلمّا بايعه أهل العراق والشام ، سار معاوية إلى الحجاز في ألف فارس ، فلمّا دنا من المدينة لقيه الحسين بن عليّ أوّل الناس ، فلمّا نظر إليه قال :
__________________
(١) ما بين المعقوفين ساقط من طبعة الغدير المتداولة ، وأثبتناه من الإمامة والسياسة.
(٢) الإمامة والسياسة : ١ / ١٤٩ ـ ١٥٥ [١ / ١٥٧ ـ ١٦٣] ، تاريخ الطبري : ٦ / ١٧٠ [٥ / ٣٠٣ حوادث سنة ٥٦ ه] واللفظ لابن قتيبة. (المؤلف)