حكمت في البلاء حتى عمّت البلوى ، وخضعت إليها الرقاب ، وغلّلتها أيدي الجورتحت نير الذلّ والهوان ، فكانت العادة مستمرّة منذ شهادة أمير المؤمنين عليهالسلام إلى نهي عمر بن عبد العزيز طيلة أربعين سنة على صهوات المنابر ، وفي الحواضر الإسلاميّة كلّها من الشام إلى الريّ ، إلى الكوفة ، إلى البصرة إلى عاصمة الإسلام المدينة المشرّفة ، إلى حرم أمن الله مكة المعظّمة ، إلى شرق العالم الإسلامي وغربه ، وعند مجتمعات المسلمين جمعاء ، وقد مرّ في الجزء الثاني قول ياقوت في معجم البلدان (١) : لُعن عليّ بن أبي طالب رضى الله عنه على منابر الشرق والغرب ، ولم يُلعن على منبر سجستان إلاّ مرّة ، وامتنعوا على بني أُميّة حتى زادوا في عهدهم : وأن لا يُلعن على منبرهم أحد ، وأيّ شرف أعظم من امتناعهم من لعن أخي رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم على منبرهم وهو يُلعن على منابر الحرمين : مكة والمدينة. انتهى.
وقد صارت سنّة جارية ، ودُعمت في أيّام الأمويّين سبعون ألف منبر يُلعن فيها أمير المؤمنين عليهالسلام (٢) ، واتّخذوا ذلك كعقيدة راسخة ، أو فريضة ثابتة ، أو سنّة متّبعة يُرغب فيها بكلّ شوق وتوق ، حتى أنّ عمر بن عبد العزيز لمّا منع عنها ، لحكمة عمليّة أو لسياسة وقتيّة ، حسبوه كأنّه جاء بطامّة كبرى ، أو اقترف إثماً عظيماً.
والذي يظهر من كلام المسعودي في مروجه (٣) (٢ / ١٦٧) ، واليعقوبي في تاريخه (٤) (٣ / ٤٨) ، وابن الأثير في كامله (٥) (٧ / ١٧) ، والسيوطي في تاريخ الخلفاء (٦) (ص ١٦١) وغيرهم : أنّ عمر بن عبد العزيز إنّما نهى عن لعنه عليهالسلام في الخطبة على المنبر فحسب ، وكتب بذلك إلى عمّاله وجعل مكانه : (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَلِإِخْوانِنَا الَّذِينَ
__________________
(١) معجم البلدان : ٣ / ١٩١.
(٢) راجع ما أسلفناه في الجزء الثاني : ص ١٠٢ ، ١٠٣. (المؤلف)
(٣) مروج الذهب : ٣ / ٢٠٥.
(٤) تاريخ اليعقوبي : ٢ / ٣٠٥.
(٥) الكامل في التاريخ : ٣ / ٢٥٦ حوادث سنة ٩٩ ه.
(٦) تاريخ الخلفاء : ص ٢٢٦.