والله لأسيّرنَّ صاحب هذا الشعر أو ليفوتنّني ، فهرب الفتى إلى الكوفة ، وكاد أهل الشام أن يرتابوا.
وبعث معاوية إلى شُرحبيل بن السمط فقال : إنّه كان من إجابتك الحقّ ، وما وقع فيه أجرك على الله ، وقبله عنك صلحاء الناس ما علمت ، وإنّ هذا الأمر الذي قد عرفته لا يتمّ إلاّ برضا العامّة ، فسر في مدائن الشام ، ونادِ فيهم : بأنّ عليّا قتل عثمان ، وأنّه يجب على المسلمين أن يطلبوا بدمه ، فسار فبدأ بأهل حمص فقام خطيباً ، فقال : يا أيّها الناس إنّ عليّا قتل عثمان بن عفّان ، وقد غضب له قوم فقتلهم ، وهزم الجميع وغلب على الأرض ، فلم يبق إلاّ الشام ، وهو واضع سيفه على عاتقه ، ثم خائض به غمار الموت حتى يأتيكم أو يحدث الله أمراً ، ولا نجد أحداً أقوى على قتاله من معاوية ، فجدّوا وانهضوا ، فأجابه الناس إلاّ نسّاك أهل حمص ، فإنّهم قاموا إليه فقالوا : بيوتنا قبورنا ومساجدنا ، وأنت أعلم بما ترى ، وجعل شرحبيل يستنهض مدائن الشام حتى استفرغها ، لا يأتي على قوم إلاّ قبلوا ما أتاهم به ، فبعث إليه النجاشي بن الحارث (١) وكان صديقاً له :
شُرَحْبيلُ ما للدين فارقتَ أمرنا |
|
ولكن لبغض المالكيّ جريرِ |
وشحناء دبّت بين سعدٍ وبينه |
|
فأصبحتَ كالحادي بغير بعيرِ |
وما أنت إذ كانت بجيلة عاتبت |
|
قريشاً فيا لله بعدَ نصيرِ |
أتفصل أمراً غبت عنه بشبهةٍ |
|
وقد حار فيها عقلُ كلّ بصيرِ |
بقول رجالٍ لم يكونوا أئمّةً |
|
ولا للتي لقَّوكها بحضورِ |
وما قول قومٍ غائبين تقاذفوا |
|
من الغيب ما دلاّهمُ بغرورِ |
وتترك أنّ الناس أَعطَوا عهودَهم |
|
عليّا على أُنسٍ به وسرورِ |
__________________
(١) كذا في وقعة صفّين ، والمعروف أنه النجاشي من بني الحارث بن كعب ، واسمه قيس بن عمرو ، مرّت ترجمته في هامش ص ١٢٥ من الجزء الثاني من الغدير.