وقد كتبها إلى طلحة والزبير ومعاوية ، ولتبرئة الأعيان من الصحابة إيّاه منذ مقتل عثمان إلى أن استحرّ القتال في واقعة صفّين ، وقد كتبوها إلى طلحة والزبير ومعاوية ومن لفّ لفّهم ، قيمة توازن عند معاوية شهادات الزور التي لفّقها هو من أُناس لا خلاق لهم ، وثبّتتها حيله ودسائسه ، وأجراها ترغيبه وترهيبه؟ وقد علم هو أنّ أمير المؤمنين من هو ، وصلحاء الصحابة الذين وافقوه على التبرئة والتبرير من هم ، ومن أولئك الطغمة الثائرون لخلافه ، والمجلبون عليه ، جيرِ : كان يعلم كلّ ذلك لكنّه الملك والسلطان ، وهما يبرّران لصاحب النهمة والشرَه كلّ بائقة وموبقة.
ـ ١٩ ـ
دفاع ابن حجر عن معاوية بأعذار مفتعلة
أنت إذا قضيت الوطر من معاوية ومعاذيره التافهة في هذه المعمعة ، فهلمّ معي إلى ناصره الأخير ـ ابن حجر ـ الذي فاتته النصرة بالضرب والطعن ، فطفق يسوّد صحيفة من صحائفه الشوهاء بأعذار مفتعلة في صواعقه ، يتصوّل بها كمن يُدلي بحجج قاطعة ، وابن حجر وإن لم يكن أوّل من نحت تلكم الأعذار ، وقد سبقه إليها أُناس آخرون من أبناء حزم وتيميّة وكثير ، غير أنّ ما جاء به ابن حجر يجمع شتات ما تترّس به القوم دفاعاً عن ابن هند ، وزاد هو في طنبوره نغمات ، قال في الصواعق (١) (ص ١٢٩):
ومن اعتقاد أهل السنّة والجماعة : أنّ ما جرى بين معاوية وعليّ من الحروب فلم يكن لمنازعة معاوية لعليّ في الخلافة ، للإجماع على حقيّتها لعليّ كما مرّ (٢) ، فلم تَهِج الفتنة بسببها وإنّما هاجت بسبب أنّ معاوية ومن معه ، طلبوا من عليّ تسليم قتلة عثمان إليهم لكون معاوية ابن عمّه ، فامتنع عليّ ظنّا منه أنّ تسليمهم إليهم
__________________
(١) الصواعق المحرقة : ص ٢١٦.
(٢) ذكره في الصواعق : ص ٧١ [ص ١١٩]. (المؤلف)