أفانين منهم قاتلٌ ومحرّض |
|
بلا ترة كانت وآخر سالبُه |
وكنت أميراً قبل بالشام فيكمُ |
|
فحسبي وإيّاكم من الحقّ واجبُه |
تجيبوا ـ ومن أرسى ثبيراً مكانه ـ |
|
تدافع بحرٍ لا تُردُّ غواربُه (١) |
فأقلل وأكثر مالها اليوم صاحبٌ |
|
سواك فصرِّح لستَ ممّن تواربُه (٢) |
فأقام جرير عند معاوية ثلاثة أشهر. وقيل : أربعة. وهو يماطله بالبيعة ، فكتب عليّ إلى جرير :
«سلام عليك ، أمّا بعد : فإذا أتاك كتابي هذا فاحمل معاوية على الفصل ، وخذه بالأمر الجزم ، وخيّره بين حربٍ مجلية ، أو سلمٍ مخزية ، فإن اختار الحرب فانبذ إليهم على سواء إنّ الله لا يحبّ الخائنين ، وإن اختار السلم فخذ بيعته وأقبل إليّ ، والسلام».
فكتب معاوية إلى عليّ جواباً عن كتابه مع جرير :
أمّا بعد : فلعمري لو بايعك القوم الذين بايعوك وأنت بريء من دم عثمان لكنت كأبي بكر وعمر وعثمان ـ رضي الله عنهم أجمعين ـ ، ولكنّك أغريت بدم عثمان المهاجرين ، وخذّلت عنه الأنصار ، فأطاعك الجاهل ، وقوي بك الضعيف ، وقد أبى أهل الشام إلاّ قتالك ، حتى تدفع إليهم قتلة عثمان ، فإن فعلت كانت شورى بين المسلمين ، وإنّما كان الحجازيّون هم الحكّام على الناس والحقّ فيهم ، فلمّا فارقوه كان الحكّام على الناس أهل الشام ، ولعمري ما حجّتك عليّ كحجّتك على طلحة والزبير ، لأنّهما بايعاك ولم أُبايعك ، وما حجّتك على أهل الشام كحجّتك على أهل البصرة ، لأنّ أهل البصرة أطاعوك ، ولم يطعك أهل الشام.
__________________
(١) البيت كما في وقعة صفّين وشرح النهج :
فجيئوا ومن أرسى ثبيراً مكانه |
|
ندافع بحراً لا تردّ غواربُه |
(٢) المواربة : المخادعة والمداهاة. (المؤلف)