اعتزلك كلّه ، وإن نقص لم يلحقك ثلمه ، وما أنت والفاضل والمفضول؟ والسائس والمسوس؟ وما للطلقاء وأبناء الطلقاء والتمييز بين المهاجرين الأوّلين ، وترتيب درجاتهم ، وتعريف طبقاتهم؟ هيهات لقد حنّ قدح ليس منها ، وطفق يحكم فيها من عليه الحكم لها ، ألا تربعْ أيّها الإنسان على ظلعك؟ وتعرف قصور ذرعك ، وتتأخّر حيث أخّرك القدر؟ فما عليك غلبة المغلوب ، ولا لك ظفر الظافر».
ومنه قوله عليهالسلام :
«وذكرت أنّه ليس لي ولأصحابي عندك إلاّ السيف ، فلقد أضحكت بعد استعبار ، متى ألفيت بني عبد المطّلب عن الأعداء ناكلين ، وبالسيوف مخوّفين؟! فلبّث قليلاً يلحق الهيجا حمل (١) ، فسيطلبك من تطلب ، ويقرب منك ما تستبعد ، وأنا مُرقل نحوك في جحفل من المهاجرين والأنصار والتابعين لهم بإحسان ، شديد زحامهم ، ساطعٍ قتامهم ، متسربلين سرابيل الموت ، أحبّ اللقاء إليهم لقاء ربّهم ، وقد صحبتهم ذرّيّة بدريّة ، وسيوف هاشميّة ، قد عرفت مواقع نصالها في أخيك وخالك وجدّك وأهلك ، وما هي من الظالمين ببعيد».
ولمّا نزل عليّ عليهالسلام الرقّة ، قالت له طائفة من أصحابه : يا أمير المؤمنين اكتب إلى معاوية ومن قبله من قومك ، فإنّ الحجّة لا تزداد عليهم بذلك إلاّ عظماً. فكتب إليهم :
«من عبد الله عليّ أمير المؤمنين إلى معاوية ومن قبله من قريش :
سلام عليكم ، فإنّي أحمد إليكم الله الذي لا إله إلاّ هو ، أمّا بعد : فإنّ لله عباداً
__________________
(١) حمل ، هو حمل بن سعد ، إنّه الصحابي ، شهد صفّين مع معاوية (المؤلف) [في المستقصى في أمثال العرب ٢ / ٢٧٨ : مثل يضرب ، قالوا في حمل : هو اسم رجل شجاع كان يستظهر بهِ في الحرب ولا يبعد أن يُراد به حمل بن بدر صاحب الغبراء].