حجج داحضة :
استرسل ابن حجر في تدعيم ما منّته به هواجسه اقتصاصاً منه أثر سلفه في تبرير أعمال معاوية القاسية ، والاعتذار عنه بما ركبه من الموبقات ، وتصحيح خلافته بإسهاب في القول وتطويل من غير طائل في الصواعق (١) (ص ١٢٩ ـ ١٣١) بما تنتهي خلاصة ما لفّقه إلى أمرين :
أحدهما : القول باجتهاده في جملة ما ناء به وباء بإثمه ، من حروب دامية ، ونزاع مع خليفة الوقت ، إلى ما يستتبعانه من مخاريق ومرديات من إزهاق نفوس بريئة تعدّ بالآلاف المؤلّفة (٢) ، وفيهم ثلاثمائة ونيف من أهل بيعة الشجرة ، وجماعة من البدريّين (٣) ، ولفيف من المهاجرين والأنصار ، وعدد لا يستهان به من الصحابة العدول أو التابعين لهم بإحسان ، وهو يحسب أنّ شيئاً من هذه التلفيقات يبرّر ما حظرته الشريعة في نصوصها الجليّة من الكتاب والسنّة ، وأنّ الاجتهاد المزعوم نسّق حول معاوية سياجاً دون أن يلحقه أيّ حوب كبير ، وأسدل عليه ستاراً عمّا اقترفه من ذنوب وآثام تجاه النصوص النبويّة ، ولم يعلم أنّه لا قيمة لاجتهاد هذا شأنه يتجهّم أمام النصّ ، ويتهجّم على أحكام الدين الباتّة وطقوسه النهائيّة ، بلغ الرجل أنّ الاجتهاد جائز على الضدّ من اجتهاد المجتهدين ، وما تعقّل أنّه غير جائز على خلاف الله ورسوله.
__________________
(١) الصواعق : ص ٢١٦ ـ ٢١٨.
(٢) قال ابن مزاحم : أصيب بصفّين من أهل الشام خمسة وأربعون ألفاً ، وأصيب بها من أهل العراق خمسة وعشرون ألفاً. كتاب صفّين : ص ٦٤٣ [ص ٥٥٨]. وذكره ابن كثير في تاريخه : ٧ / ٢٧٤ [٧ / ٣٠٤ حوادث سنة ٣٦] وقال : قاله غير واحد ، وزاد أبو الحسن بن البراء : وكان في أهل العراق خمسة وعشرون بدريّا. وعلى ما ذكر من عدد القتلى ذكره ابن شحنة في روضة المناظر هامش الكامل : ٣ / ١٩١ [١ / ٢٩١] ، وصاحب تاريخ الخميس في : ٢ / ٢٧٧. (المؤلف)
(٣) راجع ما مرّ في الجزء التاسع : ٣٥٩ الطبعة الأولى [٩ / ٣٦٢]. (المؤلف)