نجد في اختيارات معاوية شيئاً من تلكم المناطات في المقيس عليه منصوصة أو مستنبطة يصحّ القياس في المقيس ويجوز التعويل عليها ، نعم ؛ كانت عنده أقيسة جاهليّة أراد تطبيق أحكام الإسلام بها.
أيّ اجتهاد هذا؟ :
لعلّك إلى هنا عرفت معنى الاجتهاد الصحيح وحقيقته ومبانيه عند أئمّة الإسلام من رجالات الفقه وأصوله ، وألمسك باليد بُعد معاوية عن كلّ ذلك بُعد المشرقين ، فهلمّ معي نقرأ صحيفة مكرّرة من أفعال هذا المجتهد الطاغية ، وتروكه التي اجتهد فيها ، ويرى أبناء حزم ، وتيميّة ، وكثير ، وحجر ، ومن لفّ لفّهم ، أنّ الرجل لم يلحقه ذمّ وتبعة من تلكم الهفوات ، بل يحسبونه مأجوراً فيها لكونه مجتهداً مخطئاً.
ألا تقول أيّ اجتهاد جوّز على هذا المجتهد أو أوجب عليه وعلى كلّ مسلم بأمره ـ رضي بذلك أم أبى ـ سبّ مثل مولانا أمير المؤمنين عليّ صلوات الله عليه ، والقنوت بلعنه في الصلوات ، والدعاء عليه وعلى الإمامين السبطين (١) والصلحاء الأخيار معه؟!
هل اجتهد هذه الأُحدوثة من آية التطهير والمباهلة ، أو من المئات النازلة في علي عليهالسلام؟ أو من الآلاف من السنّة الشريفة المأثورة عن صاحب الرسالة صلىاللهعليهوآلهوسلم من فضائله ومناقبه؟ أو من الإجماع المعقود على بيعته واتّخاذه خليفة مفترضة طاعته؟ ولئن تنازلنا عن الخلافة له ، فهل هناك إجماع على نفي إسلامه ، ونفي كونه من أعيان الصحابة العدول ، حتى يستسيغ هذا المجتهد ـ رضيع ثدي هند المتفيّئ تحت رايتها ـ الوقيعة فيه والنيل منه؟
وهل هناك قياس يخرّج ملاكه من مبادئ الاجتهاد الثلاثة التي قامت بسيف
__________________
(١) راجع الجزء الثاني : ص ١٠١ ، ١٠٢ ، ١٣٢ ، ١٣٣. (المؤلف)