وهل وقف الباحث في جملة ما سبره من الأحكام والعلل على اجتهاد يكون هذا نصيبه من تحرّي الحقّ؟ اللهمّ إنّها ميول وأهواء ومطامع وشهوات تُزجي بصاحبها إلى هوّات المهالك ، وهل هذا يُضاهي شيئاً من اجتهاد المجتهدين؟
على أنّ جملة من المذكورات ممّا لا مساغ للاجتهاد فيه ، ولا يتطرّق إليه الرأي والاستنباط ، لأنّ الحكم فيها ملحق بالضروريّات من الدين ، وممّا لا يسع فيه الخلاف ، فمن حاول شيئاً من ذلك فقد حاول دفاعاً للضروريّ من الدين ، واستباح محظوراً ثابتاً من الشريعة ، كمن يستبيح قتل النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم باجتهاده ، أو يروم تحليل حرام من الشريعة دون تحليله شقّ المرائر ، واستمراء جُرع الحتف المبير.
من هو هذا المجتهد؟ :
أهو ابن آكلة الأكباد ـ نكّس الله رايتها ـ الهاتك لحرمات الله ، المعتدي على حدوده ، المجرم الجاني؟
يحسب أبناء حزم ، وتيميّة ، وكثير ، ومن لفّ لفّهم أنّه مجتهد مأجور ، ويقول ابن حجر : إنّه خليفة حقّ ، وإمام صدق.
هكذا يقول هؤلاء ونحن لا نقول باجتهادهم ، بل نقول بما قاله المقبلي (١) في كتابه العلم الشامخ في إيثار الحقّ على الآباء المشايخ (ص ٣٦٥) : ما كان عليّ رضياللهعنه وأرضاه إلاّ إمام هدى ، ولكنّه ابتُلي وابتُلي به ، ومضى لسبيله حميداً ، وهلك به من هلك ، هذا يغلو في حبّه أو دعوى حبّه لغرض له ، أعظمهم ضلالاً من رفعه على الأنبياء أو زاد على ذلك ، وأدناهم من لم يرض له بما رضي لنفسه لتقديم إخوانه وأخدانه عليه في الإمارة رضي الله عنهم أجمعين.
__________________
(١) الشيخ صالح بن مهدي المتوفّى : ١١٠٨. (المؤلف)