واهتدى الخلائق بنور هداهم ، وبقي هذا الإنسان في ظلمة الجهل إلى أُخريات أيّام معاوية ، وعاش خمسين سنة بإجارة محرّمة ، وشدّ بها عظمه ومخّه ، ونبت بها لحمه وجلده ، حتى هداه إلى السنّة رافع بن خديج الذي لم يكن من مشيخة الصحابة وقد استصغره رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يوم بدر؟ وكانت السنّة في المحاقلة والمخابرة (١) تُروى في لسان الصحابة ، وفي بعض ألفاظه شدّة ووعيد مثل قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم في حديث جابر : «من لم يذر المخابرة فليؤذن بحرب من الله ورسوله» (٢) وجاءت هذه السنّة في الصحاح والمسانيد بأسانيد تنتهي إلى جابر بن عبد الله ، وسعد بن أبي وقّاص ، وأبي هريرة ، وأبي سعيد الخدري ، وزيد بن ثابت (٣).
وليت ابن عمر بعد ما علم الحظر فيما أشبع به طيلة حياته نهمته ، وطبع الحال أنّه كان يعلّم بذلك ويرشد ويهدي أو يهلك ويغوي ، وكان غيره يقتصّ أثره لأنّه ابن فقيه الصحابة وخليفتهم ، الذي أوعزنا إلى موارد من فقهه وعلمه ، في نوادر الأثر في الجزء السادس ، كان يسأل من فقهاء الأُمّة أو من خليفته معاوية عن حكم المال المأخوذ المأكول بالعقد الباطل.
أليس من الغلوّ الفاحش أو الجناية الكبيرة على المجتمع الدينيّ أن يُعدّ هذا الإنسان من مراجع الأُمّة ، وفقهائها ، وأعلامها ، ومستقى علمها ، وممّن يحتجّ بقوله وفعله؟ وهل كان هو يعرف من الفقه موضع قدمه؟ أنا لا أدري.
ومنها : ما أخرجه الدارقطني في سننه (٤) من طريق عروة ، عن عائشة أنّه بلغها قول ابن عمر : في القُبلة الوضوء. فقالت : كان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يقبّل وهو صائم ، ثم
__________________
(١) المحاقلة : بيع الزرع قبل بدو صلاحه. وقيل : بيع الزرع في سنبله بالحنطة. وقيل : الزراعة على نصيب معلوم بالثلث والربع أو أقل من ذلك أو أكثر ، وهذا مثل المخابرة.
(٢) سنن البيهقي : ٦ / ١٢٨. (المؤلف)
(٣) راجع سنن النسائي : ٣ / ٥٢ [٣ / ١٠٤ ح ٤٦٥٠] ، سنن البيهقي : ٦ / ١٢٨ ـ ١٣٣. (المؤلف)
(٤) سنن الدارقطني : ١ / ١٣٦ ح ١٠.