مسجلة على شريط معين من الزمان ، وواقعة في مساحة معينة من المكان ، وأمام جمع معدود من النّاس ، مثل معاجز عيسى عليهالسلام كحديثه في المهد وإحيائه الموتى. وواضح أن الأحداث المقيّدة بزمان ومكان معينين تمسي صورتها باهتة كلما ابتعدنا عن ظروفها الزمانية والمكانية. وهذا من خصائص الأمور الزمنية.
لكن القرآن لا يرتبط بالزمان والمكان ، فهو يطلع علينا اليوم كما طلع على عرب الجاهلية قبل قرون ، بل إن مرور الزمن زاد البشرية قدرة في العلم والإمكانات لتستفيد منه أكثر من ذي قبل ، وما لا يرتبط بزمان أو مكان فانه يحوي عناصر الدوام والخلود وسعة دائرته العالمية ، وبديهي أن الدين العالمي الخالد بحاجة إلى مثل هذه الوثيقة العالمية الخالدة.
أمّا الصّفة «المعنوية» للقرآن فنفهمها حين ننظر إلى معاجز الأنبياء السابقين ، ونرى أنها كانت غالبا «جسمية» مثل : شفاء الأمراض الجسمية المستعصية ، وتحدث الطفل في المهد ... وكانت تتجه نحو تسخير الأعضاء البدنية. أما القرآن ، فيسخر القلوب والنفوس،ويبعث فيها الإعجاب والإكبار. إنه يتعامل مع الأرواح والأفكار والعقول البشرية، وواضح امتياز مثل هذه المعجزة على المعاجز الجسمية.
* * *
٣ ـ هل تحدّى القرآن؟
القرآن تحدى البشرية في مواضع عديدة من سوره ، منها :
١ ـ (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ ، وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً) (١).
٢ ـ (أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ ، قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَياتٍ وَادْعُوا مَنِ
__________________
(١) الاسراء ، ٨٨.