هنا فلا تكون هذه النعم عادة باعثة على السعادة والاطمئنان. أمّا نعم الجنّة ففيها السعادة والطمأنينة لأنها خالدة لا يعتريها الزوال والفناء. وإلى هذه الحقيقة تشير الآية في خاتمتها وتقول : (وَهُمْ فِيها خالِدُونَ).
* * *
بحوث
١ ـ «الإيمان» و «العمل» :
في كثير من الآيات القرآنية يقترن ذكر الإيمان بذكر العمل الصالح ، حتى كان الاثنين متلازمان دونما افتراق. والحق كذلك ، لأن الإيمان والعمل يكمل بعضها الآخر.
لو نفذ الإيمان إلى أعماق النفس لتجلت آثاره في الأعمال حتما ، مثله كمثل مصباح لو أضاء في غرفة لشع نوره من كل نوافذ الغرفة. ومصباح الإيمان كذلك لو شعّ في قلب إنسان ، لسطع شعاعه من عين ذلك الإنسان وأذنه ولسانه ويده ورجله.
يقول تعالى في الآية الحادية عشرة من سورة الطلاق : (وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ وَيَعْمَلْ صالِحاً يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً).
ويقول في الآية الخامسة والخمسين من سورة النور : (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ).
فالإيمان بمثابة جذر شجرة والعمل الصالح ثمرتها. ووجود الثمر السليم دليل على سلامة الجذر. ووجود الجذر السليم يؤدي إلى نموّ الثمر الطيب.
من الممكن أن يصدر عمل صالح أحيانا عن أفراد ليس لهم إيمان ، ولكن ذلك لا يحدث باستمرار حتما. فالذي يضمن بقاء العمل الصالح هو الإيمان المتغلغل في أعماق وجود الإنسان ، الإيمان الذي يضع الإنسان دوما أمام مسئولياته.