باعثه على الامتناع عن السجود كبر وغرور وتعصب خاص استولى عليه حيث اعتقد أنه أفضل من آدم ، ولا ينبغي أن يصدر له أمر بالسجود لآدم ، بل ينبغي أن يؤمر آدم بالسجود له ، وسيأتي شرح ذلك في تفسير الآية ١٢ من سورة الأعراف (١).
كفر إبليس كان يعود إلى نفس السبب أيضا ، فقد اعتقد بعدم صواب الأمر الإلهي، وبذلك لم يعص فحسب ، بل انحرف عقائديا. وهكذا ذهبت أدراج الرياح كل عباداته وطاعاته نتيجة كبره وغروره. وهكذا تكون دوما نتيجة الكبر والغرور.
وعبارة (كانَ مِنَ الْكافِرِينَ) تشير إلى أن إبليس كان قبل صدور الأمر الإلهي إليه بالسجود ، قد انفصل عن مسير الملائكة وطاعة الله ، وأسرّ في نفسه الاستكبار والجحود. لعله عزم في قرارة نفسه أن لا يخضع لو صدرت إليه أوامر بالخضوع والسجود. ومن المحتمل أن تكون عبارة (ما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ) إشارة إلى ذلك.وورد هذا المعنى في حديث عن الإمام الحسن العسكري عليهالسلام. قال إبليس «لئن أمرني الله بالسّجود لهذا لعصيته إلى أن قال : ثمّ قال الله تعالى للملائكة : اسجدوا لآدم فسجدوا فأخرج إبليس ما كان في قلبه من الحسد فأبى أن يسجد» (٢).
* * *
٢ ـ هل كان السّجود لله أم لآدم عليهالسلام؟
لا شك أن السجود يعني «العبادة» لله ، إذ لا معبود غير الله ، وتوحيد العبادة يعني أن لا نعبد إلّا الله.
من هنا فإن الملائكة لم يؤدوا لآدم يعني «سجدة عبادة» قطعا. بل كان السجود لله من أجل خلق هذا الموجود العجيب. أو كان سجود الملائكة لآدم
__________________
(١) راجع المجلد الرابع من هذا التّفسير.
(٢) تفسير الميزان ، ج ١ ، ص ١٢٥.