ولمّا ظهر الإسلام ، باعتباره الرسالة التي تقف بوجه مصالحهم اللامشروعة وانحرافاتهم وغطرستهم ، فمضافا إلى عدم إيمانهم به وقفوا بوجه الدعوة ، وبدأوا يحوكون ضدها المؤامرات التي لا زالت مستمرة بعد أربعة عشر قرنا من البعثة النبوية المباركة.
الآية المذكورة وآيات تالية أنحت باللائمة الشديدة على اليهود ، وهزت عواطفهم بذكر مقاطع حساسة من تاريخهم ، بحيث لو كان لأحدهم قليل من الموضوعية لاستيقظ واتجه نحو الإسلام. كما إن هذا السرد لتاريخ اليهود درس مليء بالعبر للمسلمين.
وسنقف في آيات تالية بإذن الله عند دروس من تاريخ اليهود ، مثل نجاتهم من فرعون، وانفلاق البحر لهم ، وغرق الفرعونيين ، وميعاد موسى في جبل الطور ، وعبادة بني إسرائيل للعجل في غياب موسى ، والأمر بالتوبة وقتل النفس ، ونزول النعم الخاصة الإلهية ، وأمثالها من الدروس.
* * *
٢ ـ ميثاق بني إسرائيل :
ميثاق بني إسرائيل الإلهي يتكون من اثني عشر بندا ، عشر منها ذكرت في آيتين متواليتين من هذه السّورة.
(وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللهَ ، وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً ، وَذِي الْقُرْبى، وَالْيَتامى ، وَالْمَساكِينِ ، وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً ، وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ ، وَآتُوا الزَّكاةَ) ...(وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ لا تَسْفِكُونَ دِماءَكُمْ ، وَلا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ) (١).
__________________
(١) البقرة ، ٨٣ و ٨٤.