و «الباري» هو الخالق ، وفي الكلمة إشارة إلى أن هذا الأمر الإلهي بالتوبة الشديدة صادر عمّن خلقكم ، وعمّن هو أعرف بما يضرّكم وينفعكم.
ذنب عظيم وتوبة فريدة
لا شك أن عبادة عجل السامري لم تكن مسألة هينة ، لأن بني إسرائيل شاهدوا ما شاهدوا من آيات الله ومعجزات نبيّهم موسى عليهالسلام ، ثم نسوا ذلك دفعة ، وخلال فترة قصيرة من غياب النّبي انحرفوا تماما عن مبدأ التوحيد وعن الدين الإلهي.
كان لا بدّ من اقتلاع جذور هذه الظاهرة الخطرة ، كي لا تعود إلى الظهور ثانية خاصة بعد وفاة صاحب الرسالة.
ومن هنا كانت الأوامر الإلهية بالتوبة شديدة لم يسبق لها نظير في تاريخ الأنبياء ، وتقضي هذه الأوامر أن تقترن التوبة بإعدام جماعي لعدد كبير من المذنبين ، على أيديهم أنفسهم.
طريقة تنفيذ هذا الإعدام لا تقل شدة عن الإعدام نفسه ، فقد صدرت الأوامر الإلهية أن يقتل المذنبون بعضهم بعضا ، وفي ذلك عذابان للمذنب : عذاب قتل الأصدقاء والمعارف على يديه ، وما ينزل به ـ هو نفسه ـ من عذاب القتل.
وجاء في الأخبار أن موسى أمر في ليلة ظلماء كل الجانحين إلى عبادة العجل ، أن يغتسلوا ويرتدوا الأكفان ويعملوا السيف بعضهم في البعض الاخر.
ولعلك تسأل عن السبب في قساوة هذه التوبة ولماذا لم يقبل الله تعالى منهم التوبة دون إراقة للدماء؟
الجواب : إن السبب في شدّة هذا الحكم ـ كما ذكرنا ـ يعود إلى عظمة الذنب الذي ارتكبوه بعد كل ما شاهدوه من آيات ومعاجز ، وإلى أن هذا الذنب يهدّد وجود الدعوة ومستقبلها لإن اصول ومبادئ جميع الأديان السماوية يمكن