مجموعة من التائهين ندمت على ما فعلته أشد الندم ، وتضرعت إلى الله ، فشمل الله سبحانه بني إسرائيل ثانية برحمته ، وأنزل عليهم نعمه التي تشير الآية إلى بعضها : (وَظَلَّلْنا عَلَيْكُمُ الْغَمامَ).
والظّل له أهمية الكبرى لمن يطوي الصحراء طيلة النهار وتحت حرارة الشمس اللّافحة، خاصة أن مثل هذا الظّل لا يضيّق الفضاء على الإنسان ولا يمنع عنه هبوب النسيم.
يبدو أن الغمام الذي تشير إليه الآية الكريمة ، ليس من النوع العابر الذي يظهر عادة في سماء الصحراء ، ولا يلبث أن يتفرق ويزول ، بل هو من نوع خاص تفضل به الله على بني إسرائيل ليستظلوا به بالقدر الكافي.
وإضافة إلى الظل فانّ الله سبحانه وفّر لبني إسرائيل بعد تيههم الطعام الذي كانوا في أمسّ الحاجة إليه خلال أربعين عاما خلت من ضياعهم : (وَأَنْزَلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى ، كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ).
لكن هؤلاء عادوا إلى الكفران : (وَما ظَلَمُونا وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ). وسنشرح «المن» و «السلوى» في البحوث الآتية.
* * *
بحوث
١ ـ الحياة الجديدة بعد التحرر :
الامّة التي تتحرر بعد عصر من الذّل والاستضعاف والاستعباد ، لا تستطيع أن تتخلى تماما عن حالتها النفسية والثقافية الموروثة عن عصر الطاغوت ، ولا بدّ من فترة برزخية تمر بها كي تكون قادرة على إقامة حكم الله في الأرض ، وفق معايير إلهية بعيدة عن مؤثرات عصر الطاغوت.
وسواء امتدت هذه الفترة البرزخية أربعين عاما كما حدث لبني إسرائيل ، أو