إلينا ، فكتبوا إليهم أنّا قد استقرت بنا الدار واتخذنا بها الأموال ، وما أقربنا منكم ، فإن كان ذلك فما أسرعنا إليكم ، واتخذوا بأرض المدينة أموالا فلما كثرت أموالهم بلغ ذلك تبّعا فغزاهم، فتحصنوا منه ، فحاصرهم ثمّ أمّنهم ، فنزلوا عليه ، فقال لهم : إنّي قد استطبت بلادكم ، ولا أراني إلّا مقيما فيكم. فقالوا له : ليس لك ذلك ، إنها مهاجر نبي ، وليس ذلك لأحد حتى يكون ذلك ، فقال لهم : فإني مخلف فيكم من أسرتي من إذا كان ذلك ساعده ونصره ، فخلف حين تراهم الأوس والخزرج ، فلما كثروا بها كانوا يتناولون أموال اليهود ، فكانت اليهود تقول لهم : أما لو بعث محمّد لنخرجنكم من ديارنا وأموالنا ، فلما بعث الله محمّدا عليهالسلام آمنت به الأنصار وكفرت به اليهود ،وهو قوله تعالى : (وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا ...) إلى آخر الآية.»
نعم ، هذه الفئة التي كانت تبحث بولع شديد عن منطلق البعثة المحمّدية ، لتكون أول من تؤمن برسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم ، وكانت تفتخر أمام الأوس والخزرج بأنها ستكون من خاصة صحابة النّبي المبعوث ، إذا هي تقف ـ بسبب لجاجها وعنادها ـ إلى جانب أعداء النّبي ، بينما التف حول الرّسول من كان بعيدا عن هذه الأجواء.
التّفسير
كفروا بما دعوا الناس اليه
هذه الآيات تتحدث أيضا عن اليهود ومواقفهم ، هؤلاء ـ كما ورد في أسباب النّزول ـ هاجروا ليتخذوا من يثرب سكنا بعد أن وجدوا فيها ما يشير إلى أنها أرض الرّسول المرتقب ، وبقوا فيها ينتظرون بفارغ الصبر النّبي الذي بشرت به التوراة ، كما كانوا ينتظرون الفتح والنصر على الذين كفروا تحت لواء هذا النّبي ، لكنهم مع كل ذلك أعرضوا عن الرّسول وعن الرسالة (وَلَمَّا جاءَهُمْ كِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ ... فَلَعْنَةُ اللهِ عَلَى الْكافِرِينَ).