الآية التالية تكشف عن حقيقة ما يكنّه مجموعة من أهل الكتاب والمشركين من حقد وعداء للجماعة المؤمنة : (ما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ) ، وسواء ودّ هؤلاء أم لم يودّوا فرحمة الله لها سنّة إلهية ولا تخضع للميول والأهواء : (وَاللهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ).
الحاقدون لم يطيقوا أن يروا ما شمل الله المسلمين من فضل ونعمة ، وما منّ عليهم من رسالة عظيمة ، ولكن فضل الله عظيم.
* * *
بحث
مغزى قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا)
أكثر من ثمانين موضعا خاطب الله المسلمين في كتابه الكريم بهذه العبارة ، وكل هذه المواضع من القرآن الكريم نزلت في المدينة ، ولا وجود لهذه العبارة في الآيات المكية ، ولعل ذلك يعود إلى تشكل الجماعة المسلمة في المدينة ، وإلى ظهور المجتمع الإسلامي بعد الهجرة. ولذلك خاطب الله الجماعة المؤمنة بعبارة (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا).
وهذا الخطاب يتضمن إشارة إلى ميثاق التسليم الذي عقدته الجماعة المسلمة مع ربّها بعد الإيمان به ، وهذا الميثاق يفرض على الجماعة الطاعة والانصياع لأوامر ربّ العالمين ، والاستجابة لما يأتي بعد هذه العبارة من أحكام.
جدير بالذكر أن كثيرا من المصادر الإسلامية بما في ذلك مصادر أهل السنة ، روت عن الرّسول صلىاللهعليهوآلهوسلم قوله : «ما أنزل الله آية فيها يا أيّها الّذين آمنوا إلّا وعليّ رأسها وأميرها» (١).
* * *
__________________
(١) الدر المنثور ، نقلا عن أبي نعيم في «حلية الأولياء» عن ابن عباس.