وبعد أن ذمّ القرآن الفئة المذكورة من اليهود والنصارى ، أشاد بأولئك الذين آمنوا من أهل الكتاب وانضموا تحت راية الرسالة الخاتمة (الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ) ـ اي بالتفكر والتدبر ثم العمل به ـ (أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ) أي يؤمنون بالرّسول الكريم صلىاللهعليهوآلهوسلم (وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ).
هؤلاء كانوا قد تلوا كتابهم السماوي حقّا ، وكان ذلك سبب هدايتهم ، فهم قرءوا فيه بشارات ظهور النّبيّ الموعود ، وقرءوا صفاته المنطبقة مع صفات نبيّ الإسلامصلىاللهعليهوآلهوسلم فآمنوا به ، والله مدحهم وأشاد بهم.
* * *
بحوث
١ ـ سؤال عن عصمة الأنبياء
العبارة القرآنية : (وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ) قد تثير سؤالا بشأن عصمة الأنبياء،فهل يمكن للنبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ وهو معصوم ـ أن يتبع أهواء المنحرفين من اليهود والنصارى؟
في الجواب نقول : مثل هذه التعبيرات تكررت في القرآن الكريم ، ولا تتعارض مع مقام عصمة الأنبياء ، لأنها ـ من جهة ـ جملة شرطية ، والجملة الشرطيّة لا تدل على تحقق الشرط.
ومن جهة اخرى ، عصمة الأنبياء لا تجعل الذنب على الأنبياء محالا ، بل المعصوم له قدرة على ارتكاب الذنب ، ولم يسلب منه الإختيار ، ومع ذلك لم يتلوث بالذنوب. بعبارة اخرى : إن المعصوم قادر على الذنب ، ولكن إيمانه وعلمه وتقواه بدرجة لا تجعله يتجه معها إلى ذنب. من هنا فالتحذيرات المذكورة بشأنهم مناسبة تماما.
من جهة ثالثة ، هذا الخطاب وإن اتجه إلى النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ولكن قد يكون موجها