تقول الآية : (وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتٌ) ثم تؤكد هذا المفهوم ثانية بالاستدراك (بَلْ أَحْياءٌ وَلكِنْ لا تَشْعُرُونَ).
في كل حركة ـ أساسا ـ تنزوي مجموعة محبّة للعافية ، وتبتعد عن الامّة الثائرة ، ولا تكتفي هي بالتقاعس والتكاسل ، بل تسعى إلى تثبيط عزائم الآخرين وبثّ الرخوة والتماهل في المجتمع. وما أن تظهر حادثة مؤلمة حتى يعربون عن أسفهم وينقمون على الحركة التي أدت إلى هذه الحادثة ، غافلين أن كل هدف مقدس يحتاج إلى تضحيات ، وتلك سنة كونية.
القرآن الكريم يتحدث عن مثل هذه الفئة كرارا ويؤنّبهم بشدّة.
ثمة أفراد من هؤلاء كانوا يتظاهرون بالتأسف والتألم على (موت) شهيد من شهداء الإسلام في المعركة ، ويبعثون بذلك القلق والاضطراب في النفوس.
والله سبحانه يرد على هذه الأقاويل السامة بالكشف عن حقيقة كبرى هي إن الذين يضحون بأنفسهم في سبيل الله ليسوا بأموات ... هؤلاء أحياء ... ويتمتعون بنعم الله ورضوانه ، لكن البشر المحدودين في عالم الحسّ لا يدركون هذه الحقائق.
* * *
بحوث
١ ـ خلود الشّهداء
للمفسرين آراء مختلفة في معنى حياة الشّهداء وخلودهم. ظاهر الآية يشير دون شك إلى أنّهم يتمتعون بنوع من الحياة البرزخية الروحية ، لأن أجسامهم قد تلاشت ، فهم يعيشون تلك الحياة بجسم مثالي (١) كما يقول الإمام الصادق عليهالسلام (٢).
__________________
(١) سنشرح ذلك في تفسير الآية ١٠٠ من سورة (المؤمنون). «ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون».
(٢) تفسير نور الثقلين ، ج ٣ ، ص ٥٥٩.