ويقول : «إنّ أحدث العلوم الإنسانية ـ أعني علم النفس ـ يعلّمنا نفس تعاليم الأنبياء،لماذا؟ لأن أطباء النفسانيين أدركوا أن الدعاء والصلاة والإيمان القوي بالدين يزيل عوامل القلق والاضطراب والخوف والهيجان الباعثة على أكثر أمراضنا» (١).
٢ ـ المفهوم الحقيقي للدعاء
علمنا أنّ الدعاء إنّما يكون فيما خرج عن دائرة قدرتنا ، بعبارة اخرى الدعاء المستجاب هو ما صدر لدى الاضطرار وبعد بذل كل الجهود والطاقات (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ) (٢). يتضح من ذلك أن مفهوم الدعاء طلب تهيئة الأسباب والعوامل الخارجة عن دائرة قدرة الإنسان ، وهذا الطلب يتجه به الإنسان إلى من قدرته لا متناهية ومن يهون عليه كل أمر.
هذا الطلب طبعا يجب أن لا يصدر من لسان الإنسان فقط ، بل من جميع وجوده ، واللسان ترجمان جميع ذرات وجود الإنسان وأعضائه وجوارحه.
يرتبط القلب والروح بالله عن طريق الدعاء ارتباطا وثيقا ، ويكتسبان القدرة عن طريق اتصالهما المعنوي بالمبدأ الكبير ، كما تتصل القطرة من الماء بالبحر الواسع العظيم.
جدير بالذكر أن هناك نوعا آخر من الدعاء يردّده المؤمن حتى فيما اقتدر عليه من الأمور ، ليعبّر به عن عدم استقلال قدرته عن قدرة الباري تعالى ، وليؤكد أن العلل والعوامل الطبيعية إنما هي منه سبحانه ، وتحت إمرته. فإن بحثنا عن الدواء لشفاء دائنا ، فإنّما نبحث عنه لأنّه سبحانه أودع في الدواء خاصية الشفاء (هذا نوع آخر من الدعاء أشارت إليه الروايات الإسلامية أيضا).
__________________
(١) ن. م. ص ١٥٢.
(٢) النمل ، ٦٢.