ونبدأ الآن بأهمها :
هذه الحروف إشارة إلى أن هذا الكتاب السماوي ، بعظمته وأهميّته التي حيّرت فصحاء العرب وغير العرب ، وتحدت الجن والإنس في عصر الرسالة وكل العصور ، يتكون من نفس الحروف المتيسرة في متناول الجميع.
ومع أنّ القرآن يتكون من هذه الحروف الهجائية والكلمات المتداولة ، فإن ما فيه من جمال العبارة وعمق المعنى يجعله ينفذ إلى القلب والروح ، ويملأ النفس بالرضا والإعجاب ، ويفرض احترامه على الأفكار والعقول.
في القرآن من الفصاحة والبلاغة ما لا يخفى على أحد ، وليس هذا مجرّد ادّعاء،فخالق الكون تحدّى بهذا الكتاب جميع (الجن والإنس) ، ليأتوا بمثله (وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً) (١) ، ولكنهم عجزوا جميعا عن ذلك ، وتلك دلالة على أن هذا الكتاب لم يصدر عن فكر بشر.
وكما إن الله تعالى خلق من التراب موجودات ، كالإنسان بما فيه من أجهزة معقّدة محيّرة ، وكأنواع الطيور الجميلة الرائقة ، والأحياء المتنوعة ، والنباتات والزهور المختلفة ، وكما إننا ننتج من هذا التراب نفسه ألوان المصنوعات ، كذلك الله سبحانه خلق من هذه الحروف الهجائية المتداولة ، موضوعات ومعان سامية ، في قوالب لفظية جميلة ، وعبارات موزونة ، وأسلوب خاص مدهش معجز ، وهذه الحروف الهجائية موجودة تحت تصرف الإنسان ، لكنه عاجز عن صنع جمل وعبارات شبيهة بالقرآن.
من المهم أن نذكر هنا أن العصر الجاهلي كان عصرا ذهبيا للأدب العربي.
__________________
(١) الإسراء ، ٨٨.