٣ ـ الارتباط بالنّاس :
المتقون ـ إضافة إلى ارتباطهم الدائم بالخالق ـ لهم ارتباط وثيق ومستمر بالمخلوقين ، ومن هنا كانت الصفة الثالثة التي يبيّنها لهم القرآن أنّهم (وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ).
يلاحظ أن القرآن لا يقول : ومن أموالهم ينفقون ، بل يقول : (وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ).
يلاحظ أن القرآن لا يقول : ومن أموالهم ينفقون ، بل يقول : (وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ) ، وبذلك وسّع نطاق الإنفاق ليشمل المواهب المادية والمعنوية.
فالمتقون لا ينفقون أموالهم فسحب ، بل ينفقون من علمهم ومواهبهم العقلية وطاقاتهم الجسميّة ومكانتهم الاجتماعية ، وبعبارة اخرى ينفقون من جميع إمكاناتهم لمن له حاجة إلى ذلك دون توقّع الجزاء منه.
الملاحظة الاخرى : إن الإنفاق قانون عام في عالم الخليقة ، وخاصة في التركيب العضوي لكل موجود حي. قلب الإنسان لا يعمل لنفسه فقط ، بل ينفق ما عنده لجميع خلايا البدن. الدماغ والرئة وسائر أجهزة البدن تنفق دائما من ثمار عملها ، والحياة الجماعية ـ أساسا ـ لا مفهوم لها دو نما إنفاق (١).
الارتباط بالنّاس ـ في الحقيقة حصيلة الارتباط بالله. فالإنسان المرتبط بالله يؤمن أن كل ما لديه من نعم إنّما هي مواهب إلهيّة مودعة لديه لفترة زمنيّة معينة.
ومن هنا فلا يزعجه الإنفاق بل يسره ويفرحه ، لأنه بالإنفاق قسّم مال الله بين عبادالله ، وبقيت له نتائج هذا العمل وبركاته المادية والمعنوية. وهذا التفكير يطهّر روح الإنسان من البخل والحسد ، ويحوّل الحياة من ساحة لتنازع البقاء إلى مسرح للتعاون حيث يشعر كل فرد بأنه مسئول أن يضع ما لديه من مواهب تحت تصرف كل المحتاجين ، مثل الشمس تفيض بأشعتها على الموجودات دون أن تتوقع من
__________________
من هذا التّفسير).
(١) راجع بشأن الإنفاق وأهميته وآثاره ، المجلد الثاني من هذا التّفسير ، ذيل الآيات ٢٦١ ـ ٢٧٤ من سورة البقرة.