بحثان
١ ـ مواصلة طريق الإيمان والعمل :
الآيات المذكورة استعملت الفعل المضارع الذي يشير عادة إلى الاستمرار يؤمنون بالغيب ـ يقيمون الصلاة ـ ينفقون ـ وبالآخرة هم يوقنون. وهذا يعني أن المتقين والمؤمنين الحقيقيين هم الذين يواصلون مسيرتهم الحياتية بثبات واستمرار ، دون تعثر أو تلكّؤ أو توقف.
هؤلاء ينطلقون منذ البدء بروح البحث عن الحق ، وهذا يؤدي بهم إلى تلبية دعوة القرآن ، والقرآن بعد ذلك يوجد فيهم الخصائص الخمس المذكورة.
٢ ـ ما هي حقيقة التقوى؟
التقوى من الوقاية ، أي الحفظ والصيانة (١) ، وهي بعبارة اخرى جهاز الكبح الداخلي الذي يصون الإنسان أمام طغيان الشهوات.
لهذا السبب وصف أمير المؤمنين علي عليهالسلام التقوى بأنها الحصن الذي يقي الإنسان أخطار الانزلاق إذ قال : «اعلموا عباد الله أنّ التّقوى دار حصن عزيز» (٢).
وفي النصوص الدينية والأدبية تشبيهات كثيرة تجسّم حالة التقوى ، فعن الامام عليعليهالسلام قال : «ألا وإنّ التّقوى مطايا ذلل ، حمل عليها أهلها ، وأعطوا أزمّتها ، فأوردتهم الجنّة» (٣).
__________________
الاولى ـ أولئك الذين يتصفون بالإيمان بالغيب ، وبإقامة الصلاة ، وبالإنفاق. والثانية ـ هم المؤمنون بالوحي السماوي وبالاخرة. نحن نستبعد كثيرا هذا التّفسير ، لأن الصفات الخمس المذكورة مترابطة لا يمكن التفكيك بينها، وكلها تصف مجموعة واحدة.
(١) يقول الراغب في مفرداته : الوقاية حفظ الشيء ممّا يؤذيه ويضرّه ، والتقوى جعل النفس في وقاية ممّا يخاف ، لذلك يسمى الخوف تارة تقوى بينما الخوف سبب للتقوى. وفي عرف الشرع ، التقوى حفظ النفس عمّا يؤثم. و «كمال التقوى» اجتناب المشتبهات.
(٢) نهج البلاغة ، الخطبة ١٥٧.
(٣) نهج البلاغة ، الخطبة ١٦.