التعبير عن امتزاج الإدراك والفهم مع العواطف والأحاسيس ثمّ يستتبع ذلك العمل. فعند ما يتحدّث القرآن في مواضع كثيرة عن معرفة الله مثلا يشير إلى نماذج من نظام هذا الكون العجيب ، ثمّ يقول إننا نبين هذه الآيات (لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ).
وهذا لا يعني أنّ القصد هو ملء الأدمغة ببعض المعلومات عن نظام الطبيعة ، إذ أنّ العلوم الطبيعية إذا لم تبعث في القلب والعواطف حركة نحو معرفة الله وحبّه والانشداد به فلا ارتباط لها بقضايا التوحيد. وهكذا المعارف العلمية لا تكون تعقّلا إلّا إذا اقترنت بالعمل.
صاحب تفسير الميزان (١) يؤيّد هذا الاتجاه في فهم معنى التعقّل ، ويرى أنّه الذي يدفع الإنسان بعد الفهم والإدراك إلى مرحلة العمل ، والدليل على ذلك قوله تعالى : (لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ ما كُنَّا فِي أَصْحابِ السَّعِيرِ) (٢).
وقوله سبحانه (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِها) (٣) فالتعقّل الذي يتحدّث عنه المجرمون يوم القيامة هو ذلك الذي يرافقه العمل ، وهكذا التعقّل الناتج عن السير في الأرض والتفكير في خلق الله إنّما هو المعرفة التي تحمل الإنسان على تغيّر مسير حياته والاتجاه إلى الصراط المستقيم.
وبعبارة اخرى أنّ التفكّر والتعقّل والتدبّر إذا كان متعمّقا ومتجذّرا في روح الإنسان فلا يمكن أن يكون عديم الآثار في دائرة الواقع العملي ، فكيف يمكن أن يقطع الإنسان ويعتقد جازما بمسموميّة الغذاء ثمّ يتناوله؟! أو يعتقد جزما بتأثير الدّواء الفلاني على معالجة أحد الأمراض الخطرة التي يعاني منها ثمّ لا يتناوله!!
* * *
__________________
(١) الميزان : ج ٢ ص ٢٥٠ ـ ٢٤٩.
(٢) الملك : ١٠.
(٣) الحج : ٤٦.