ولذلك يقول القرآن مباشرة بعد ذلك : (فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلاً مِنْهُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ).
وذكر بعض المفسّرين أنّ عدّة من بقي مع طالوت (٣١٣ نفر) بعدد جيش الإسلام يوم بدر (١).
وعلى كلّ حال فإنّ نبيّهم أجابهم على طلبهم التزاما منه بواجبه وجعل عليهم طالوت ملكا بأمر من الله تعالى (وَقالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طالُوتَ مَلِكاً).
ويتّضح من هذه الآية أنّ الله هو الذي اختار طالوت ليكون ملكا على بني إسرائيل وقائدا لعسكرهم ، ولعلّ استعمال كلمة (قد بعث) يشير إلى ما ذكرنا في القصّة من الحوادث غير المتوقّعة الذي جاءت بطالوت إلى مدينة ذلك النبي والحضور في مجلسه ، فكذلك يظهر من كلمة (ملكا) أنّ طالوت لم يكن قائدا للجيش فحسب ، بل كان ملكا على ذلك المجتمع (٢).
ومن هنا بدأت المخالفات والاعتراضات وقال بعضهم : (قالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمالِ).
وهذا هو أوّل اعترضا ونقض في العهد من قبل بني إسرائيل لنبيّهم مع أنّه قد صرّح لهم أنّ الله هو اختار طالوت ، وفي الواقع أنّهم اعترضوا على الله تعالى بقولهم : (إنّنا أجدر من طالوت بالحكم لأنّ الحكم لا بدّ فيه من شرطين لا يتوفّران في طالوت وهما : الحسب والنسب من جهة ، والمال والثروة من جهة اخرى ، وقد ذكرنا في القصّة أنّ طالوت كان من قبيلة مغمورة من قبائل بني إسرائيل ، ومن حيث الثروة لم يكن سوى مزارع فقير.
__________________
(١) روح المعاني وتفسير الكبير في ذيل الآية المبحوثة.
(٢) اعتبر صاحب «الكشّاف» طالوت اسما أعجميا مثل : جالوت وداود ، وقال الآخرون : إنّه اسم عربي مأخوذ من مادة «طول» وإشارة إلى طول قامة. (تفسير الكبير : ج ٦ ص ١٧٢).