إيمانا راسخا قالوا للآخرين : ينبغي ألّا تلتفتوا إلى (الكم) بل إلى (الكيف) إذ كثيرا ما يحدث أنّ الجماعة الصغيرة المتحلّية بالإيمان والعزم والتصميم تغلب الجماعة الكبيرة بإذن الله.
ينبغي أن ننتبه إلى أنّ «يظنّون» هنا تعني يعلمون ، أي أنّهم على يقين من قيام يوم القيامة ، ولا يعني الظنّ هنا الاحتمال ، وظنّ هذه تعني اليقين في كثير من الحالات ، حتّى لو اعتبرناها بمعنى الاحتمال ، فإنّها هنا تناسب المقام أيضا ، إذ في هذه الحالة يكون المعنى أنّ مجرّد احتمال قيام يوم القيامة يكفي ، فكيف باليقين به حيث يحمل الإنسان على اتّخاذ قرار بالنسبة للأهداف الربّانية. إنّ من يحتمل النجاح في حياته ـ في الزراعة أو التجارة أو الصناعة أو السياسة ـ يمضي في مسيرته بكلّ عزم وتصميم.
أمّا لماذا يطلق على يوم القيامة يوم لقاء الله ، فذلك ما أوضحناه في الجزء الأول من هذا التفسير.
في الآية التالية يذكر القرآن الكريم موضوع المواجهة الحاسمة بين الجيشين ويقول:(وَلَمَّا بَرَزُوا لِجالُوتَ وَجُنُودِهِ قالُوا رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدامَنا وَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ).
(برزوا) من مادّة (بروز) بمعنى الظّهور ، فعند ما يستعد المحارب للقتال ويتّجه إلى الميدان يقال أنّه برز للقتال ، وإذا طلب القتال من الأعداء يقال أنّه طلب مبارزا.
تقول هذه الآية أنّه عند ما وصل طالوت وجنوده إلى حيث ظهر لهم جالوت وجيشه القوي ووقفوا في صفوف أمامه رفعوا أيديهم بالدّعاء ، وطلبوا من الله العليّ القدير ثلاثة امور، الأوّل : الصّبر والاستقامة إلى آخر حد ، ولذا جاءت الجملة تقول : (أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً).
و (الإفراغ) تعني في الأصل صبّ السائل بحيث يخلو الإناء ممّا فيه تماما،